المتابع للبرامج الحوارية «التوك شو» على الفضائيات بجميع أشكالها وألوانها، يلاحظ ملمحاً واحداً يجمع كل تلك الفعاليات الحوارية وهو إعلان قبول الرأي الآخر والتحاور معه بالقول فقط، في حين أن واقع التطبيق بها يظل يشكو الظمأ إلى قبول الرؤى المختلفة وتقبل الحوار فيه. الحال أيضاً لا يختلف كثيراً في مناقشات الناس وحواراتهم في أي مجالس حوار، حول قبول الرأي الآخر، وأن الاختلاف لا يفسد للود قضية، وأن رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأيك خطأ يحتمل الصواب، وتلك الحالة المأزومة التي وصلنا إليها من رفض الرأي الآخر، بل ورفضه مطروحاً على مائدة الحوار، هو سبب رئيس للتعصب للفكر الواحد وانغلاق وتشدد لوجهة نظر واحدة، ومن ثم نشوب الصراعات الكلامية ثم الفعلية والتي تنتهي بالضغائن والكراهية ورفض الآخر ما يؤدي في النهاية إلى حالة من الخوار الداخلي لأي منظومة مجتمعية. أمامنا مشهد عظيم يتمثل في قبول النبي «صلى الله عليه وسلم» لاختلاف الرأي في حادثة صلاة العصر في طريق الصحابة إلى بني قريظة، فقد أقر الرأيين المختلفين لأنهما صحيحان، وغيره. حقيقة، أرى تلك الحالة الرافضة للآخر والمستمسكة باتجاه واحد للرأي في أي مسألة، هي تبدأ معنا منذ الصغر إذ لا نسمح للأبناء بإطلاق آرائهم ووجهات نظرهم ونقيد عليهم الاختلاف في الطرح، فينشأ الطفل يعبر عن رأيه ولا يحتمل أن يطرح غيره رأياً معاكساً. علينا أن نبدأ بإصلاح تلك المنظومة المضرّة بنا، بداية من التربية في التنشئة للصغار وفي المدرسة والجامعة، وعلينا أن ننشر دورات تثقيفية تعليمية لتنمية مهاراتنا الذاتية في قبول الرأي الآخر واحترام حرية الآخر في الطرح وإبداء الرأي المخالف، وتنظيم دورات لورش عمل تحوي مجموعات مختلفة من ذوي الفكر والرؤى لنتعلم قبول الآخر وتقبل الحوار بشكل عملي، وعلينا توجيه المنتديات والقنوات والإعلام إلى أن نقبل تطبيقياً قبول رأي مخالف لنا، بل حتى مجرد قبول وجوده جنباً إلى جنب مع آرائنا، فهل من واقع تطبيقي لذلك؟ مهندس معماري [email protected]