لم ترحم الأمطار الغزيرة التي هطلت على معظم المناطق الجنوبية الأسبوع الماضي، قرى محافظة ضمد النائية بمنطقة جازان إذ تسببت بزيادة معاناة سكانها خصوصا أن السيول التي جرت في الأودية زادت في عزلتها، كما تضررت منازلهم المتواضعة. وتبين ل"الوطن" التي زارت أثناء تغطيتها للأمطار والسيول، قرى محافظة ضمد التي ضم "قبائل عبس" و"المشوف" و"الأرواق" و"الحيللة" و"أبو العرج" و"الراحة"، أن الأمطار خلفت أضرارا في الخدمات في تلك القرى، علما أن معظمها يتطلع إلى تحسين هذه الخدمات وبخاصة البلدية والمياه والصحية، وفق ما يقول شيخ شمل قبائل عبس محمد بن علي العبسي. ويضيف: الأهالي يتطلعون أيضا إلى مراكز للشرطة والدفاع المدني وكثير من الإدارات الحكومية والمكاتب الخدمية كمبنى للمحكمة العامة ومبنى للبلدية ومكتب الضمان، إضافة إلى إنشاء وحدات سكنية وجمعية خيرية تخدم ذوي الدخل المحدود، ومستشفى يخفف معاناتهم من قطع مسافات طويلة إلى المحافظات الأخرى بحثا عن العلاج". الحاجة إلى الإعانة والحاجة إلى مساعدات الجمعية الخيرية، تبدو ملحة بالنسبة إلى صالحة يحيى العبسي التي تعيش بقرية الأرواق. وتقول صالحة وهي في العقد الرابع من عمرها، إن الظروف تكالبت عليها بعد أن سافر زوجها للبحث عن عمل، تاركا في ذمتها تسعة من الأبناء والبنات "عجزت عن توفير لقمة العيش ومتطلبات الحياة الضرورية لهم". ومثلها أيضا هندية يحيى مهدي وهي مطلقة تسكن مع أمها وتحلم ببناء منزل يضمها مع ابنتها المعاقة زينة ذات الأعوام الخمسة. وتقول هندية إنها تسكن مع أمها في منزل لم يعد يتسع "لأسرتنا الكبيرة". وتضيف: ابنتي معاقة وبحاجة لرعاية خاصة لذا أحتاج إلى مسكن يجمعني وابنتي المعاقة كي أخفف العبء عن أمي التي لم تعد قادرة على توفير متطلباتنا الضرورية خصوصا أن دخلها الوحيد هو ما تحصل عليه من إعانة الضمان الاجتماعي كما أن لديها ابنة معاقة هي شقيقتي الصغرى التي حرمت من إعانة التأهيل الشامل لعجزنا عن توفير قيمة المواصلات لمراجعة المركز بجازان". العيش في صندقة أما فاطمة ثابت فتحملت مسؤولية كبيرة في تربية أبنائها الخمسة وتأمين لقمة العيش لهم بعد أن أودع زوجها السجن قبل عام. فهي تسكن مع أبنائها في "صندقة" من الحديد تفتقد لأدنى مقومات الحياة. محمد ابنها الأكبر مختل عقليا، ما زاد من معاناتها في عدم استطاعتها مراجعة قضية زوجها بسجن جازان العام حيث تنتظر عودته ليناصفها هموم تربية أبنائهما ويساعدها على توفير متطلباتهم. وتناشد فاطمة لجنة رعاية السجناء الوقوف بجانبهم والتخفيف من معاناتهم خصوصا أنها لا تحصل على أي إعانة من الجمعيات الخيرية. ألف ريال ل9 أيتام أما أيتام محمد إبراهيم الحسيني، فحرمتهم ظروفهم المادية القاسية من التعليم بعد أن مات والدهم وتقطعت بهم السبل ولم يجدوا من يعولهم بعد وفاته. خالد الابن الأكبر عجز عن توفير المصاريف بسبب اعتماد الأسرة على إعانة الضمان التي لا تقبل القسمة على اثنين، مفضلا تركها لتأمين لقمة العيش لهم. ويقول: توفي والدي وترك لي 6 من البنات وثلاثة من الأولاد أعولهم على إعانة الضمان 1000 ريال.. ماذا أعمل بها مع أسرتي الكبيرة التي أغلبها من النساء؟". وأضاف: "يعصرني الألم في مواسم الأعياد لعدم استطاعتي توفير كسوة العيد التي تحتاج لدخل أكبر. فكرت بعدها في السفر للبحث عن عمل ولكن من لإخوتي بعدي؟ حتى إعانة الجمعيات الخيرية لا تصلنا وقد قدمت أوراقي للتسجيل بالجمعية الخيرية بمحافظة ضمد وأفادني المسؤولون بأنهم سيتصلون بنا لكن لم يتصل أحد". أما أحمد محمد غانم فهو أربعيني عاطل عن العمل، ولا يحصل على إعانة من الضمان يعول أسرة كبيرة مكونة من 11 من الأبناء والبنات يسكنون في غرفة واحدة لا تحميهم من أشعة الشمس ولا تقيهم قطرات المطر. ويأمل غانم "لو شملتنا قائمة الإسكان الخيري خصوصا أن منازلنا متهالكة.. كنا نتمنى ذلك لأننا لم نعد قادرين على العيش في غرفة لا نستطيع ممارسة حياتنا الطبيعية فيها". ويؤكد غانم أن "مسؤولين من الجمعية الخيرية في محافظة ضمد زاروا منزل والدتي وقاموا بتصوير الغرفة التي نعيش فيها، إلا أنه لم يستجد شيء بهذا الشأن حتى الآن". أطفال النظافة وقال علي جماح أحد سكان قرية أبو العرج، إن "البلدية لا تزورنا إلا يوما واحدا في الأسبوع، لذا نضطر لتكليف أبنائنا وأطفالنا بتجميع النفايات المتكدسة أمام منازلنا والتي أصبحت تهدد بانتشار الأمراض والأوبئة". وهذا ما يؤكده قاسم محمد دماس، فيشير إلى أن "الخدمات غائبة عن جميع قرى المشوف بخلاف الطرق والكهرباء، فالأحياء غير مسفلتة وتحتاج إلى إنارة وأرصفة وخدمات الصرف الصحي وتوفير شبكات المياه كما أننا بحاجة لمستشفى ينهي معاناة المرضى من مراجعتهم للمستشفيات الأخرى البعيدة". ويطالب حسن على العبسي بإنشاء جسور تربط الرواق بالمحافظة للحد من الانقطاع المتكرر، إضافة إلى إنشاء حدائق وأماكن ترفيهية. كل الجهات من جانبه أوضح محافظ ضمد محمد المخلي، أن قرى قبائل عبس، والمشوف والأرواق، والحيللة، وأبو العرج، والراحة تتبع لمركز الشقيري التابع لمحافظة ضمد، مشيرا إلى أنه تمت مخاطبة جميع الجهات الخدمية والحكومية بإيصال جميع خدماتها لتلك القرى النائية، كما رفعنا إلى الإمارة بطلب افتتاح مركز يتبع لها بتلك القرى والذي بدوره سيسهم في إنشاء مبنى للبلدية يسعى في توفير وإيصال كافة الخدمات. أولوية البلدية إلى ذلك، أشار رئيس بلدية محافظة ضمد المهندس عبدالله الحربي إلى أن تلك القرى ضمن أولويات البلدية، وتمت مناقشتها مع أعضاء المجلس البلدي، لافتا إلى أن أعضاء المجلس البلدي قاموا بزيارة القرى ميدانيا للوقوف على نقص الخدمات وإدراجها ضمن موازنة العام المقبل. وعن خدمات النظافة، أوضح الحربي بأنها مشمولة في العقد الجديد الذي تم إبرامه مع أحد المقاولين بالمنطقة هذا العام. وأكد المسؤول الإعلامي بالمجلس البلدي بالمحافظة أحمد بن خالد الحازمي أن "أعضاء المجلس عازمون على إيصال كافة الخدمات للقرى والهجر من خلال ما يقومون به من جولات ميدانية يتم من خلالها رصد احتياجاتها مع أهمية مراعاة التوزيع الجعرافي حيث سيتم إنشاء العديد من الحدائق العامة والمتنفسات الترفيهية". مشروع ضخم للمياه من جهته كشف مدير مياه محافظة ضمد عمر الموكلي، بأنه تم اعتماد مشروع ضخم لتحلية المياه سيغطي نسبة 90% من قرى محافظة ضمد ومركز الشقيري ويخدم جميع قرى قبائل عبس والمشوف، مشيرا إلى أن فرع المياه يقوم بتوفير السقيا عبر كروت يتم توزيعها على المواطنين وبين مدير مياه ضمد بأن هناك العديد من مشاريع المياه سيتم تنفيذها كشبكات المياه والصرف الصحي.