انتشرت ظاهرة المقاهي الثقافية في العديد من البلاد العربية منذ فترة طويلة، أشهرها «الفيشاوي» في مصر وال «هورس شو»، و«كوستا» وقهوة «الزجاج» في بيروت، لاحتضان الشباب وتشجعيهم على الثقافة والإبداع من خلال الجمع بين تنمية العقل وقضاء وقت ممتع في الأماكن التي يترددون عليها كثيراً. وجاءت المملكة خاصة مدينة جدة لتعيد إحياء هذا التراث العربي بوجود أكثر من مقهى فيها لتكون مأوى لاستقطاب الشباب وتنمية مهاراتهم ومنبعا لكل المهتمين بالقراءة والثقافة والفكر ولكل من يفضل عالم الكِتاب والنقاشات الثقافية المختلفة. وتتمثل أهداف تلك المقاهي أيضاً في إيجاد حلقة وصل بين النخبة المثقفة والشباب الذي يسعى للثقافة، وعادة ما تتنوع في تناول المواضيع، فمعظم برامجها تأتي في إطار تطوير الذات واللقاءات الفكرية والفنية والأدبية وإقامة محافل لتوقيع الكتب الجديدة ودعم الشباب في إظهار وطرح مواهبهم وأشعارهم الأدبية، فضلاً عن توفير عدد كبير من الكتب المتنوعة في جميع المجالات. مواكبة العصر وتتميز تلك المقاهي عن غيرها من المؤسسات الثقافية كالنوادي الأدبية بأنها تتخذ طابع التجديد في كل ما تطرحه من برامج كي تتواكب مع احتياجات الشباب التي اختلفت عن النخبة القديمة، فالآن الشباب في حاجة إلى إشباع رغباتهم الثقافية من خلال الأفلام الوثائقية والندوات واللقاءات الأدبية المدعمة بوسائل التكنولوجيا الحديثة، بدلاً من ندوات عرض الكتاب التي اعتاد المثقفون عليها طيلة السنوات الماضية. تجربة حية ومن أبرز التجارب التي أثبتت نجاح تلك المقاهي في المملكة وجذب الشباب إليها، المقهى الذي افتتحه الشاب السعودي نايف الرزيق مؤخراً "BOOKING"، والذي شهد إقبالا كبير، حيث اعتمد على توفير مكان يجمع بين مظاهر المقاهي التي يفضلها الشباب وبين التشجيع على تنمية العقل والفكر، فاعتمد على تقديم منتجات صديقة للبيئة "المشروبات الخضراء"، واحتوى على عدة رفوف ممتلئة بشتى أنواع الكتب، ومن مختلف المجالات، التي اختيرت بطريقة شاملة عن طريق استفتاء مجموعة من الشباب، وتم استقطاب المزيد منها وفقاً لرغبة الزوار، ووجد في إحدى زوايا المقهى غرفة معزولة يمنع فيها الحديث، كونها مخصصة للقراءة. وصممت أرضيات المقهى بالطول، حتى تعطي انفتاحاً أكبر للمكان، وقامت بصناعتها شركة ألمانية لديها عدة شهادات دولية في حماية البيئة. ويقيم المقهى حفلات توقيع للكتب، ويستضيف اللقاءات الشهرية لخمسة أندية قراءة في الرياض، ومن أبرزها نادي القراءة في جامعة الملك سعود، الذي يشارك في اختيار كتاب الشهر. مشكلات وصعوبات ورغم انتشار الوعي بقيمة تلك المقاهي إلا أنها مازلت تعاني العديد من الصعوبات، أهمها روتينية الإجراءات المتعلقة بالتصريح للأفراد بإقامة الندوات والفعاليات المختلفة، في الوقت الذي تحرص فيه مراكز التدريب بشكل عام على انتقاء المدربين أو المتحدثين للجمهور، مما يعطل تلك المقاهي عن ممارسة أنشطتها بحرية وكفاءة.