ارتبط المقهى بالذهنية الاجتماعية التقليدية في بلادنا في الماضي عبر صورة نمطية وسلبية تلك هي الصورة التي كانت ترى في المقهى بأنه مكان يأوي إليه الفاشلون في الدراسة والهاربون من رقابة البيت والمدرسة لأولئك الذين وصلوا إلى حالة اليأس والقنوط والإحباط والذين كان يطلق عليهم لقب «أولاد القهاوي». اليوم لم يعد المقهى يمثل تلك الصورة القديمة لقد ارتقى المقهى إلى معنى آخر خاصة أن أدوات ووسائل التقنية الحديثة وأجهزة الاتصال والتواصل تشكل جزءا من هوية مقهى اليوم. غير أن المقهى في مصر والعراق والشام ولبنان كان له في الماضي وفي الحاضر حضور آخر في الحياة الاجتماعية والثقافية لقد ارتبط بالنخبة المثقفة السياسية منها والأدبية والثقافية والفكرية وارتبط بالنخبة المصرية والعراقية والشامية حيث نجد «مقهى الفيشاوي» في القاهرة و «مقهى ريش» وغيرها من المقاهي التي كان يرتادها الكثيرون من الأدباء والكتاب من مصر خلال قرن من نجيب وتوفيق الحكيم وكامل الشناوي وآخرين من الفنانين والمبدعين. لقد لعب المقهى في الحياة المصرية تحديدا دورا بارزا في الحياة الاجتماعية والسياسية ومن يقرأ رواية نجيب محفوظ سوف يسمع أصوات الناس واحتراقات الواقع وسوف يجد الصفوة والحرافيش في أعمال هذا الروائي الكبير وهو ما يعبر عن حالة حقيقية في الواقع المصري. اليوم بدأت تنتشر في بلادنا ما يسمى بالمقاهي الثقافية وأصبح داخل كل مقهى مكتبة وهو ما يشكل ملمحا حضاريا وتحولا حقيقيا في الخروج من تقليدية المقهى لكن ينبغي أن يصبح المقهى الثقافي وفق وضمن حالة اجتماعية ينبغي تكريسها وتعميقها من أجل ألا تتحول الكتب إلى ديكور ويتحول مرتادو هذه المقاهي إلى زوار للمقهى فقط بل يجب أن يصبح زوار هذه الكتب جزءا أساسيا من عالم الكتب لأن ثمة فرقا بين أن تزور المكتبة أو المقهى أو تبحث عنها وأن يصبح الكتاب جزءا منك ومن تفكيرك وهمك اليومي وما أكثر من يتمسحون بالثقافة بحثا عن وجاهة اجتماعية وثقافية لأن المعرفة مواجهة مع الجهل والأمية وجيوش الظلام لا واجهة ولافتة لحضور باهت وغير لافت وعميق. لا بد أن يتحول المقهى الثقافي إلى جزء أساسي من المكون الاجتماعي ويؤسس لوعي حقيقي لا لتزييف حقيقي، وثمة فرق بين الوعي الحقيقي والزائف ومن هنا فإن وجود مقاهٍ ثقافية ظاهرة حضارية راقية وهو ما ينبغي أن يسهم في ارتفاع وعي مرتاديها لتؤسس لذاكرة اجتماعية تجعل من المقهى صورة مضيئة لا تلك الصورة النمطية القديمة عبر أولئك الهاربين من سلطة المدرسة والبيت والفاقدين للأمل في كل شيء ومن أي شيء. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 203 مسافة ثم الرسالة