(ليس هناك ملكية للنص أو أبوة نصية لأن الكتّاب والمبدعين يعيدون ما قاله السابقون بصيغ مختلفة، فالنص الأدبي يدخل في شجرة نسب عريقة وممتدة، فهو لا يأتي من فراغ، ولا يفضى إلى فراغ) تمكنت الكتابات الأدبية من مد بساطها ونفوذها منذ العصر الجاهلي وحتى العصر الحديث ,وأصبح لكل كاتب أكثر من قارئ وجمهور جيل بعد جيل ومن ثمَّ أصبح تاريخ الكاتب ذو علاقة تواصلية تفاعلية مع المتلقي بعد أن يسلط الضوء في الأفق بعقيدته الُلغوية والفكرية والإبداعية وتتغلغل معانيه ذات الأسلوب الخاص والدقيق بصورة كاملة فينضج ويترعرع عليها وتكون العلاقة أكثر متانة ومن الصعب الانعتاق عنها. وحينما ينظم قصيدة أو يؤلف قصة يظهر تأثره بمذهب هذا أو فكر ذاك دون عمدٍ أو قصد ولكنه نتاج طبيعي لهذا التواصل السلس والتأثير البارع فتنهمر عليه الأفكار والمعاني مطراً وتتداخل فيما بينها وتمنحها شكلا جديدا ولكن بطابع يتكئ على الموروث السابق ولا يدرك الكاتب هذا التدخل إلا حينما يومئ له بأصابع الإتهام بسرقة أدبية بواح وبنقل غير مشروع وحاله ينشد: ولا أُغيرُ على الأشعارِ أسرِقُها عَنها غنيتُ وشرُ الناسِ من سرقا وفيما لو تجاوزناه لغيره لوجدنا أنه يجعل الركيزة الأساسية في كتاباتة (سرداً وشعراً) التطابق اللفظي والمعنوي فهي ذخيرته وذروة انطلاقاته. إن قضية التناص أو مايطلق عليها بالسرقات الأدبية لم يتم وأدها ولم تتقلص منذ الأزمنة الماضية وظلت تتمحور في أمرين: سرقة معنوية وهي الأكثر جرأة لأن تعتمد على إخفاء المعنى وملء حوافها لتذوب مع النصوص الأخرى بديناميكية نشطة حيث يصعب كشفها وفك إيقاعها , أمّا السرقة اللفظية فهي الأسرع اكتشافاً من الوهلة الأولى للقارئ الحصيف وإن أحكم التخفي تحتها. وإن كان للجاحظ رأي في قضية السرقة الأدبية بقوله: (لا يعلم في الأرض شاعر تقدم في تشبيه مصيب تامّ، أو في معنى غريب عجيب، أو في معنى شريف كريم أو في بديع مخترع إلاّ وكلّ من جاء من الشّعراء من بعده، أو معه إن هو لم يعد على لفظه فيسرق بعضه أو يدعيه بأسره، فإنّه لا يدع أن يستعين بالمعنى، ويجعل نفسه شريكا فيه) على أن الاتفاق مع رأيه يتمثل في أن المعاني لم توجد من عدم وأن الكتابات نتاج مثمر للاندماج المتواتر والتلمذة الفنية وبذلك تداولها على هذا الأفق له وضع خاص ومشروع من خلال استحضار المعاني المقروءة لسابقيه , ولكن يجب التأكيد على أن عملية التطابق التام للفظ والمعنى هو ما نعنيه ويدخل في دائرة السرقات الأدبية المرفوضة. أيضاً لا يمكن الموافقة على تبرئة أحد الجنسين من السطو الأدبي فالتجريم يقع دون تحديد لكل الأطراف بناءا على ماقيل: (المرأة بريئة من تهم السرقات الأدبية والصحافية براءة الذئب من دم يوسف). إن تقنية الشبكة واتساع حدقتها أوجدت بيئة خصبة للنشر وساهمت بشكل آخر في السطو على الحقوق من متطفلين على الأدب كما أن الكتابة بأسماء مستعارة سمحت بتوفير الطقوس لجذب جوقة لصوص وجيل فوضوي سلبي لا يعترف بحقوق الكاتب ولا يحترمها مجرداً من الوعي والإدراك. فالأمانة الأدبية وغرسها يجب أن تتعاضد لدى الكاتب والقاص والقارئ والمتذوق دون اِستثناء وإعادة بنائها جذرياً وتهذيب الأقلام عليها وخلق فكر نزيه حتى لايفسح الطريق للإيمان بأكذوبة التناسخ الروحي والمعتقد الخرافي وتتجاوزه لتناسخ الأفكار والمعاني. وبهذا أولوية الحقوق الأدبية للمؤلف عالقة في المقام الأول على أنسنة الفكر وتخليصها من شوائب النسخ واللصق. عبير بنت أحمد