الصورة الشعرية واحدة من تقنيات الشاعر المهمة، وعليها يقوم معظم الشعر... ومن خلالها نتلمس قدرة الشاعر وتمكنه منها كأداة من أدواته. والصورة تكون قريبة المنال متبادرة إلى الذهن العادي... وتارة تكون بعيدة المنال تتجمع مفرداتها من خلال مواد متفرقة قد تجتمع في الواقع أو لا تجتمع، كما هي الصورة عند أبي تمام في لزومياته وعند ابن الرومي في كثير من تصويراته... وعند التصويريين الفرنسيين (ألن بو) وجماعته. والصورة الشعرية مثل الصورة الفوتوغرافية تحتاج إلى فنان يقتعد الزاوية إياها... والقرب والبعد والظل والتركيز والهامش أشياء تجدها تماماً في الصورة الشعرية مثل: ما هي في الصورة الفوتوغرافية وما تتركه من انطباعات حسية في اللون، والرائحة، والإيحاء... غير أن الصورة الشعرية مزية في الخلط والتشكيل كتقنية فريدة لا يقوي عليها إلا الكلام، فما الذي يمكن أن يلتقطه الفوتوغرافي من صورة كهذه يرويها مسفر الدوسري: وكنت تقول: دام أن السوالف مرة مثل الهيل.... ليش ما تستوي بدلال؟! أو من بيت الشاعر على المفضي: كيف ما تسكر شفايفك من ذايب لماك؟! كيف ما تشهق مراياك لو قابلتها؟! إضافة إلى أن الصورة الشعرية غير ثابتة بمعنى أنها متغيرة ولا أقصد بأنها متحركة... فهي تتغير تبعاً للرصيد الذهني والتشكيل الرؤيوي لدى المتلقي، فالصورة التي تركها مسفر الدوسري فينا للقهوة والدلة والمرارة والمكان غير ثابتة... شكل الدلة... نوع المرارة... حدتها... شبيهها... مكانها... الإضاءة... الزمان وما إلى ذلك، وفي بيت علي المفضي صورة المحبوب ولوازم الصورة من شكل اللباس والشعر واللون وشكل المرآة والمكان وجهته وزاويته، والزمان، والإضاءة قوتها... حدتها... فعلاً نحن نحتاج إلى من يجلي لنا الصورة بكل أبعادها... ويتناولها بالصورة التي تتركها هي فينا بعيداً عن تقسيماتها وأنواعها السردية التي أهتم فيها القدماء في عصور التقعيدات العلمية في تقسيمها إلى تشبيه واستعارة مكنية أو تصريحية، وعيب بعض الدراسات النقدية أنها تبين النوع دون الغوص في التقنيات بجميع أبعادها وبالتالي ما تتركه من أثر فينا... أننا نحتاج إلى الناقد الذي يستجلي الأبعاد لا من يعدد الأنواع ويبين الأقسام.