قبل أكثر من 60 سنة وضع المهندس اللبناني إبراهيم عبد العال أسس استثمار مياه نهر الليطاني في جنوب البلاد، وفي ملفات اللبنانيين ما يشير إلى أنه في عام 1954 خُصص مبلغ 45 مليون ليرة لإتمام المشروع، لكن المبلغ طار والمشروع داخ بين الوزارات قبل أن يخرج من الدائرة ويعود إليها في السبعينات ويخرج مرة أخرى مترنّحاً. الآن يحق للبنانيين أن يبتهجوا لأن الفكرة التي تم وأدها مراراً وتكراراً تحوّلت الآن إلى مشروع مسنود باتفاقية موقّعة مع الصندوقين العربي والكويتي. في حفل الإطلاق، وما بعده، توالت التوصيفات على ألسنة المسؤولين اللبنانيين لهذه الخطوة الحلم، فهناك من تحدّث عن إنجاز تنموي يخدم اللبنانيين، وبخاصة فقراء الجنوب، وهناك من وصفه بالانتصار الجديد على "إسرائيل". دعنا نقف هنا، وليتسّع لهذا الرأي صدر أولئك الذين يقطّبون حواجبهم كلما تحدّث أحد عن انتصار على "إسرائيل" التي ما زال بعضهم مقتنعاً أو متوهّماً أنها لا تُهزم، فيما بعضهم الآخر لا يريدها أن تُهزم، باعتبار أن هزيمتها هزيمة لهم، وما زالت تجربة العدوان على لبنان في يوليو/تموز 2006 تجري في الذاكرة كما مياه الليطاني. في مارس/آذار 1978 اجتاح جيش الاحتلال "الإسرائيلي" جنوب لبنان وصولاً إلى ما بعد نهر الليطاني، ولم يكن إطلاق اسم "عملية الليطاني" على تلك العملية من قبيل النسب للجغرافيا، بل لدلالات مرتبطة تماماً بأطماع "إسرائيل" في المياه العربية، وليس نهر الليطاني سوى أحد الاستهدافات المائية الصهيونية التي تشمل أيضاً، كي لا ينسى أحد، المياه الجوفية الفلسطينية ومياه الجولان المحتل ونهر الأردن. ونعلم جميعاً أن "إسرائيل" أبقت احتلالها في الشريط الجنوبي لأكثر من اثنين وعشرين عاماً وهذه الفترة هي أيضاً عمر قرار مجلس الأمن 425 الذي "تذكّرت" هذه ال"إسرائيل" تنفيذه، هكذا صدفة! وبالتزامن مع تلقيها ضربات يومية موجعة ومكلّفة جداً، لتجبرها في مايو/أيار 2000 على الهروب ذليلة من جنوب لبنان، لتبقى محتلة لمزارع شبعا وكفر شوبا وبلدة الغجر، وبالتأكيد ستخرج منها من دون أي قرار من مجلس الأمن، حتى لو علمنا أن احتفاظ "إسرائيل" بمزارع شبعا لم يكن عرضياً أو استعراضياً، بل أيضاً لكونها تحتوي على مخزون مائي هائل. في كل مراحل المشروع الصهيوني في المنطقة العربية المدعوم غربياً، كانت المياه حاضرة في عقلية قادته، فبالعودة إلى سنة 1926 تجد "امتياز روتنبرغ" الذي منحت سلطات الانتداب البريطاني اليهود بموجبه امتيازاً مائياً كهربائياً يمتد لسبعين عاماً لاحتكار مياه نهري الأردن واليرموك، ثم حملت الفترة بين تلك السنة و1956 بستة مشاريع مائية حظيت بدعم البريطانيين ثم الأمريكيين.