يحمل تحليل الموقف الإسرائيلي من الأزمة السورية، كثيراً من الإجابات حول مواقف كل من أميركا وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية، وقد يشكل منعطفاً في طريقة اعتماد الدول الصديقة للشعب السوري على المجتمع الدولي الذي ساهم من خلال مبادراته والصراعات، في إعطاء فرصة بعد الأخرى لنظام الأسد للبقاء صامداً أمام الثورة التي كسرت حاجز السنة. وقد أثارت وسائل الإعلام الإسرائيلية مناقشات حامية لتحديد الوضع السوري وتأثيراته على دولة إسرائيل وتحديد الموقف الواجب اتخاذه لمواجهة هذه الأزمة. وساهم الموقف الرسمي شبه الصامت من قبل الحكومة الإسرائيلية من الأزمة السورية في توضيح حجم الأهمية لهذا الملف على أمنها خصوصاً أن سورية - وكذلك مصر - تشكل التهديد الحدودي التقليدي. وقد أوضحت موقفها من الأزمة المصرية من خلال إصرارها على الضغط على واشنطن لحماية ودعم الرئيس حسني مبارك ونظامه، إلا أنها مارست ما يشبه الصمت في الملف السوري على رغم حساسيته باستثناء تصريح يتيم لوزير الخارجية أفيجيدور ليبرمان شبّه فيه النظام السوري بنظام القذافي وكان تصريحا سياسيا. أهمية نظام الأسد لإسرائيل شكل الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد ستاراً حديدياً داخل لبنان، ولعب دوراً في ضبط دولته الجارة طارداً الفلسطينيين منها ومنهياً حالة التوتر التي كانت توتر التقديرات الأمنية لدولة إسرائيل، فيما تخلى بشكل شبه رسمي عن الجولان الذي يعتبر حجر الزاوية في الأمن المائي لإسرائيل التي تسعى للفوز بضمانات تتعلق بمستقبلها في منطقة تواجه خطر الجفاف بشكل متزايد، فشكل الجولان المستوى الأعلى في توفير مستقبل المياه لها. الجولان استراتيجياً يمكن النظر لقيمة عائلة الأسد من خلال هذا المسمى الجغرافي إذا ما علمنا قيمة الجولان لدولة إسرائيل، إذ قال عنه إيجال آلون (سياسي من حزب العمال ومفكر وأحد قادة جنود "البالماح" من منظمة الهاجاناه) إن "للجولان ولجبل الشيخ أهمية حيوية، ليس للدفاع عن مستوطنات وادي الحولة فحسب، وإنما أيضاً لحاجات إسرائيل الاستراتيجية الشاملة في الدفاع عن الموارد الأساسية لمياهنا، وبالدفاع عن الجليل الأعلى والأسفل، وبالدفاع عن الأردن الأعلى والأوسط، ووادي الحولة وبحيرة طبريا والوديان المحيطة بها ووادي بيسان". وهذا يتوافق تماماً مع ما ورد في بحث بعنوان "الحدود بين إسرائيل وسورية" قدمه الباحث في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي نسفي ماجين، وشدد على أهمية هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل ليس على المستويين العسكري والاستراتيجي والأمني وفي مجال رصد الاتصالات ولكن على مستوى السيطرة على مصادر المياه في سورية ولبنان وفلسطين والأردن، فهو يعطي إسرائيل القدرة على الدفاع عن الجليل الأعلى والأسفل، والدفاع عن الأردن الأعلى والأوسط، ووادي الحولة وبحيرة طبريا والوديان المحيطة بها ووادي بيسان، إضافة إلى مصادر المياه الموجودة في الجولان التي تعتبر بالإضافة إلى حوران سلة الفاكهة لإسرائيل. ويمكن ملاحظة التراتبية في السرد بين الطرفين لتحديد شكل الأجندة الإسرائيلية حول ملف المياه والأمن من خلال الجولان الذي أعطى هذه الدولة حالة من التفوق الراداري والعسكري والعملياتي، إضافة إلى ضمان مصادر المياه التي تعتبرها إسرائيل ضمانة لاستمرارها، وهو ما يعطي للأسد قيمته كحام لهذه القيمة المضافة في المشروع الإسرائيلي. فذات البحث الذي حمل عنوان "الحدود بين إسرائيل وسورية"، كان قد ثمن الجهود التي تبذلها أجهزة الأمن السورية لضبط هذه المناطق وحمايتها من الاختراق والتسلل على مدى عقود، على الرغم من أن إسرائيل ترى أن هذه الدولة تعتبر رسميا في حالة حرب معها، واعتبرت الدراسة أن ارتباط سورية بحدود مشتركة يجعل إسرائيل متأثرة بالضرورة بالتغيرات السياسية في سورية، وبالتالي فإنها تؤثر في المعادلة السياسية والأمنية لديها بشكل خطير ومقلق ومن ثم فإنها تفضل استمرارية النظام على الدخول في مغامرة تتعلق بأنظمة جديدة "قد تدخل في مغامرات وتطالب باستعادة الجولان". المغامرة المتوقعة وبين البحث أن تصريحات رئيس المجلس الوطني السوري المعارض برهان غليون في مؤتمر إسطنبول حول عودة الجولان "مؤشر للمغامرة المتوقعة التي قد تواجهها إسرائيل في حال تغيير النظام، وبالتالي فإنها تقوم بكل ما يمكن من خلال أصدقائها في واشنطن لضمان استمرار النظام السوري"، معتبرة أن "الثورة السورية رغم أهميتها على نطاق فصل العلاقة بين دمشق وطهران، إلا أنها تضع مخاطر أمنية وعسكرية حقيقية على الحدود الشمالية للدولة العبرية مع غياب التصور عن البديل للنظام الحالي الذي وفّر الأمن والاستقرار لهذه الحدود منذ عهد الأسد الأب، وبشكل كان مرضياً لكل من إسرائيل والولايات المتحدة". طبوجرافيا ومياه يقع الجولان على هضبة في الجنوب الغربي من سورية، وتبلغ مساحته الكلية 1860 كيلومترا مربعاً. ويعتبر المنطقة المشرفة على خمس دول هي إسرائيل وسورية ولبنان والأردن وفلسطين، وترتفع في شماله كتلة جبلية بارتفاع 2225 مترا عن سطح البحر هي جبل الشيخ، ويشرف على وادي ونهر اليرموك جنوباً، كما يشرف في الغرب على غور الأردن. هذه التضاريس تشكل محورين: الأول عسكري شديد الأهمية، والثاني مائي. فهذه الهضبة تتساقط عليها ما بين 3 و6 في المئة من كميات الأمطار التي تتساقط على كامل الأراضي السورية وتحتوي على نحو 15 في المئة من مخزونه المائي، وتساهم التلال والجبال في الجولان في اعتراض الرياح الغربية المحملة بالأمطار وتجميع المياه التي تشكل سيولا مستمرة ومصدرا لا ينضب من المياه، حيث تشكل عدة تلال العنصر الحاسم في عملية جمع ونقل المياه خصوصا تلال المنطقة الشمالية كتلال الأحمر والشيخة والبرعم والعرام والوردة (الأعلى بينها يرتفع حتى 1227 متراً عن سطح البحر) وأبو الندى وتل أبو خنزير وتل يوسف وتل الفرس حيث يصل معدل الأمطار فيها إلى 1000 ملم متر مكعب. فيما ينتج نبع بيت الجن 1900 ليتر في الثانية وينتج الوزاني 1400 ليتر في الثانية، غير العشرات من الينابيع كالحمة الباردة والريح وصعار والغور ونخيلة والدب والبالوع والصيادة والفاجرة والدردارة والبرجيات، فيما بلغ منتوج المياه الجوفية لهضبة الجولان نحو 12.5 مليون متر مكعب، لتلعب تضاريس الجولان في تحولها ليس إلى مصدر هام ومستمر للمياه بل لمستوعب كبير للمياه جوفيا وسطحيا فهي تمثل الرافد لنهر الأردن وبحيرة طبريا وبحيرة مسعدة. كما يعتبر نهر اليرموك الأكثر غزارة في الجولان مع توفيره أكثر من 500 مليون متر مكعب سنويا، ليصب جنوب بحيرة طبريا، فيما يعتبر نهر بانياس الذي ينبع عند المنحدرات الشمالية الغربية لهضبة الجولان بطول كيلومتر واحد فقط إلا أنه يوفر لنهر الأردن في نهر الأردن نحو 157 مليون متر مكعب من المياه سنوياً، وتزداد كميات المياه التي يكنزها هذا الموقع الاستراتيجي في فصل الشتاء حيث يخزن وينقل مياه الثلوج التي تذوب يومياً من أعالي الجبال كجبل حرمون ليغذي العشرات من السيول والأنهار والأودية. فالهضبة تسيطر على مجرى نهر الليطاني وبردى، إضافة إلى نهر الأردن الذي يحتل مكانة في الخطط التنموية الإسرائيلية وتسعى الحكومة الإسرائيلية إلى السيطرة على منابع هذا النهر ومجراه من بحيرة طبريا وحتى البحر الميت خلال كل حروبها مع العرب حيث يعتبرون أنه نهر مذكور في التوراة اسمه جولانيا، لا سيما أن روافده تأتي من جبل حرمون والجولان. وفيما تعطل إسرائيل كل محاولات الاستفادة من نهري اليرموك والأردن، أعطت لشركتين إسرائيليتين هما شركة تاهل وشركة ميكوروت، حقوق الاستفادة من مياه الجولان. الأهمية العسكرية يوفر هذا الموقع القدرة على السيطرة والإشراف على مناطق واسعة من أراضي دول أعداء ولا يختلف اثنان في القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية على أهمية الجولان لاستمرار المشروع الإسرائيلي لأنه يوفر عمقاً استراتيجياً لإسرائيل ويحمي حدودها الشمالية ويشرف على العاصمة السورية دمشق مما يمنعها من الدخول في مغامرة عسكرية ضده، لذلك فالاحتلال الإسرائيلي في الجولان تتداخل فيه العمليات العسكرية والأمنية بشكل أساسي والاستخباراتية. ويمكن ملاحظة طريقة تعامل دولة إسرائيل مع هذا الموقع عن غيره من المناطق المحتلة بشكل عسكري عملياتي منظم من خلال تأسيس طرق مستقيمة طولية وعرضية وبناء العشرات من المستوطنات المحصنة ذات تشكيل عسكري، كما أنها نفذت مشاريع طموحة لتفريغ الأرض من سكانها وتهجيرهم والاستيلاء على الأراضي بشتى الوسائل وتدمير التجمعات السكانية الأصلية لكنها فشلت بسبب تمسك السكان الأصليين بأراضيهم. حماية البقاء الجولان ليس منطقة عابرة يمكن التفاوض عليها أو النظر لها على أنها موقع تحت الاحتلال الإسرائيلي كونها جزءا أساسيا في بناء مشروع الدولة الإسرائيلي على مستوى الأمن والسيطرة العسكرية وقبل كل ذلك المياه التي تعتبر مصدر الزراعة في دولة تعتبر أن مشاريع الاكتفاء الذاتي صفة لا يمكن التخلي عنها لأي سبب سياسي. وكان للرئيسين حافظ الأسد ومن بعده بشار، سبق حماية هذه القدرة الإسرائيلية على البقاء والصمود والتنمية المستدامة في ظل توفيرهما لحماية دائمة للحدود. وهو ما يجعل الباحث في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي نسفي ماجين يحذر من تدهور الأوضاع في سورية الأمر الذي يضع إسرائيل في خطر، خوفاً من وقوع المخزون الكبير من الأسلحة الكيماوية في يد "متطرفين" إذا ما استمرت حالة الفوضى في سورية، وبين أن زوال سلطة نظام بشار الأسد والدخول في نزاع مسلح هو أحد السيناريوهات الجيوسياسية والتحديات التي تنظر لها إسرائيل بجدية وتستعد لمواجهتها، فيما يمكن اعتباره مؤشرا على أهمية نظام الأسد لاستمرار حالة الأمن في إسرائيل. وهذا يقودنا إلى تفهم التغير في تعامل كل من أميركا والاتحاد الأوروبي مع الملف السوري بعد حالة الحزم التي تم القضاء فيها على القذافي رغم التباين الواضح في تعامله مع نظام الأسد الذي تميز بوحشية أكبر فيما يمكن النظر لموقف كل من الصين وروسيا بأنه وجه آخر للدفاع عن مشاريع أميركية أوروبية تتعلق بدعم أمن إسرائيل ولكن بطريقة لعب الأدوار ليتضح أن الفيتو الروسي الصيني، لا يختلف كثيرا عن الفيتو الأميركي الذي تحمي به واشنطن تل أبيب. وبالتالي فإن كافة أطراف الصراع على الجانبين في طاولة الأممالمتحدة يدافعون عن هدف واحد ومكاسب متنوعة فيما يوفرون لنظام الأسد الزمن ليقضي على الثورة ويعيد الأمور إلى المربع الأول كما حصل في الثورة الخضراء في إيران والتي سقطت بالقوة وانتهى مشروعها، ليكون القرار العربي للدول الصديقة للشعب السوري في العمل بعيدا عن مؤسسات مجلس الأمن ومن خلال دعم محوري الجيش الحر كأداة لتحقيق الانتصار على الأرض والمجلس الوطني السوري كواجهة سياسية تكافح للفوز على نظام تحالف مع الشيطان ليبقى.