لم تعد إسرائيل "واحة الديمقراطية الوحيدة" في صحراء الشرق الأوسط القاحلة... هي لم تكن كذلك يوماً، فمن يمارس الاحتلال والإجلاء والعنصرية ضد شعب بأكلمه، لا يمكن أن يكون ديمقراطياً بأي حال من الأحوال... لكن الصورة النمطية لإسرائيل في الغرب، أنها الشريك الوحيد للعالم الحر، في منظومته القيمية ونظامه الديمقراطي، فيما الصورة النمطية للعرب، أنهم "خارج التاريخ"، متسلطون وفاسدون، يهدرون ثرواتهم على تكديس الأسلحة وأدوات القمع والإنفاق على مختلف "الموبقات" التي بمقدور العقل أن يتخيلها. الصورة الآن تغيرت، بل وتغيرت تماماً...العرب أطلقوا الموجة العالمية الرابعة من الديمقراطية.... هم يلتحقون بها تباعاً...وصورة "العربي" باتت ملهمة للعديد من شعوب العالم، بمن فيها شعوب "العالم الحر"، الأمر الذي أفقد إسرائيل "فرادتها"...في أحسن الحالات، هي الآن "ديمقراطية" من ضمن ديمقراطيات عديدة ناشئة في هذه المنطقة، هكذا يقول الخطاب الرسمي للغرب، معظم الغرب على أقل تقدير.لقد أهالت السيدة كلينتون الكثير من التراب على "صورة إسرائيل النمطية"...هي عبّرت في أحد معاقل "اللوبي الإسرائيلي"، معهد سابان عن قلقها حيال مستقبل الديمقراطية في إسرائيل، بعد أن كانت قد رحّبت بأوضح العبارات ب"ربيع العرب" قبل بضعة أسابيع، في خطابها الشهير أمام "المعهد الوطني الديمقراطي للشؤون الدولية"...الصورة تبدو معكوسة تماماً هذه الأيام...العرب أخذوا يتقدمون على سلم الديمقراطية وإسرائيل تتراجع، بشهادة أرفع مستويات صنع القرار في واشنطن.كلينتون تناولت التشريعات المعروضة على الكنيست الإسرائيلي، والتي من شأن إقرارها ضرب حرية الصحافة والإعلام وتقييد مؤسسات حقوق الإنسان فضلا عن إضعاف القضاء (محكمة العدل العليا)، بالإضافة إلى الأثر المترتب على النفوذ المتزايد للحركات الإصولية اليهودية، والتي تجعل من إسرائيل مجتمعاً أصولياً دينياً.لكن السيدة كلينتون، وهي توجه انتقادات غير مسبوقة في تاريخ العلاقات الأمريكية الإسرائيلية كله، تجاوزت أمرين اثنين، أحسب أن عدم التوقف ملياً أمامها، سيُبقي الصورة ناقصة، والفهم مجزوءا ...الأول، عندما قفزت عن حقيقة أن شعباً يحتل شعباً آخر، لا يمكن أن يكون حراً بأي حال من الأحوال...والثاني، عندما تجاهلت أثر شعار "يهودية الدولة" في مفاقمة أصوليتها...ف"يهودية الدولة" في الحالة الإسرائيلية، ليست تعبيرا "قومياً" بأي حال من الأحوال، بدلالة أن هذا الشعار لم يكن مدرجاً على جداول أعمال الأحزاب العلمانية في إسرائيل من يمينية ويسارية طوال خمسة عقود، وأن طرحه ارتبط بنهوض الأحزاب الدينية وزيادة ثقل "الأصوليين اليهود" في الحياة السياسية والعامة في إسرائيل....إنه شعار "ديني" متطرف بامتياز، علماً بأن السيدة كلينتون وإدارتها، طالما دعما هذا الشعار رضوخاً عند الموقف الإسرائيلي، وجرياً على مألوف انحيازهما للدولة "العبرية".صورة العربي تغيرت (شكراً لربيع العرب).. ومن الطبيعي أن تتغير صورة "الآخر" الذي ناصبه العداء لأكثر من مئة عام...سقطت نظرية "الواحة الإسرائيلية والصحراء العربية"...أسقطها ميدان التحرير وثورة تونس واليمن وليبيا وسوريا...وستسقط معها نظريات أخرى، إن نحن "غيرنا ما بأنفسنا"...وقد لا يكون بعيداً ذلك اليوم، الذي تخرج علينا فيه السيدة كلينتون أو من هو (هي) في مقامها،