ما يَحْدُث في مصر، وفي "عاصمة ثورة 25 يناير"، أيْ "ميدان التحرير"، على وجه الخصوص، إنَّما يقيم الدليل على أنَّ الثورة المصرية تتعلَّم، وتُجيد التعلُّم، من أخطائها. ما يبدو "فضيلة" ليس دائماً ب"الفضيلة"، فالمرء، وعن اضطرار، يمكن أنْ يأتي بفعل حميد، فيلتبس علينا الأمر، ونظن أنَّه فاضلٌ أتى بفضيلة؛ مع أنَّ التجربة، في هذا الصدد، تُعْلِمنا وتُعلِّمنا، أنْ ليس في الاضطِّرار فضيلة. لقد أرادوا للثورة المصرية أنْ تكون الجَبَل الذي تمخَّض فولد فأراً، فضحُّوا ب"الرأس" من نظام الحكم القائم، لعلَّهم يحتفظون بأُسُسه، ويحافظون عليها؛ ثمَّ عقدوا "الصَّفقة" التي توهَّموا أنَّها ستنهي الثورة، وشرعوا يُصوِّرون الدولة" على أنَّها "الدولة المدنية"، التي في واقعها، وحقيقتها الموضوعية، لا تملك من معاني "الدولة المدنية" إلاَّ ما يجعلها كظِلٍّ فَقَد جسمه. وها هُمْ الأبناء الشرعيون لثورة 25 يناير العظمى يستعيدون ثورتهم؛ لقد عادوا إلى الميدان، وعاد إليهم الميدان؛ ولا بدَّ لهم، من الآن وصاعداً، من أنْ ينظروا إلى كل شيء بعيون يقظة لا تغشاها أوهام؛ فالضغط الشعبي الثوري "المليونيِّ" يجب أنْ يستمر وينمو ويَعْظُم، وصولاً إلى مطلب "الدولة المدنية الديمقراطية" التي لا ريب في مدنيتها وديمقراطيتها، ومرور مصر ب"المحطَّة الإجبارية"، ألا وهي "المجلس التأسيسي المنتخَب"، والذي يضع دستوراً جديداً للبلاد، ويؤلِّف حكومة انتقالية، فيُقَرُّ هذا الدستور في استفتاء شعبي؛ ثمَّ يُدعى الشعب إلى انتخاب برلمان جديد، تنبثق منه حكومة تملك من السلطات والصلاحيات ما يجعلها هي لا رئيس الدولة السلطة التنفيذية كلها تقريباً.