أشعل محمد بوعزيزي، ثورة تونس، إذ كان الشرارة التي كسرت حاجز الخوف في قلوب التوانسة ليخرجوا على حكم زين العابدين بن علي ويجبروه على الفرار إلى خارج بلاده. وفي مصر، كان مقتل الشاب خالد سعيد «الأيقونة» التي ألهمت شباب مصر وألهبت مشاعر المصريين لتنفجر ثورة 25 يناير، ما أجبر الرئيس حسني مبارك على التنحي بعد اعتصام شعبي سلمي في ميدان التحرير ومحاصرة للمؤسسات الحكومية والسيادية! وبرز من بين شباب الثورة المؤثرين وائل غنيم وأسماء محفوظ، وقد قفز هؤلاء الشباب بمطالب المصريين إلى ذروتها، ووصلوا بها إلى ما لم تصل اليه الحركات والأحزاب المصرية المعارِضة منذ 30 عاماً. كان اللافت بغض النظر عن الموقف الأميركي والأوروبي الذي دائماً ما يدعم حقوق الإنسان وخياراته، تسابق إيران وقطر وحركة «حماس» الفلسطينية و «حزب الله» اللبناني على تهنئة شعب مصر بعد تنحي مبارك مباشرة، إذ أكدت الدوحة تمسكها بعلاقات مميزة مع القاهرة، فيما اعتبرت إيران أن المصريين حققوا انتصاراً عظيماً، ورأت حركة «حماس» أن تنحي مبارك هو بداية «انتصار» الثورة المصرية، فيما هنّأ «حزب الله» المصريين ب «النصر التاريخي». الثورة المصرية نموذج رائع لانتفاضة المحكوم ضد الحاكم في إطار سلمي، ومن المؤكد أن المصريين مبتهجون بنتائج ثورتهم وليسوا في حاجة إلى نصائح سياسية خارجية في الوقت الراهن، لكن أعتقد أنه يجب الحذر من هرولة المحور الإيراني نحو القاهرة في محاولة لاختراق الثورة الشبابية والاصطفاف حولها بغية وضع موطأ قدم لها والتمكن من الشارع المصري للانطلاق به مستقبلاً نحو طهران، كما هي حال السياسة في سورية والعراق اليوم. لكن ماذا بعد تنحي مبارك بعد أن أمسك العسكر بزمام الأمور؟ وهل انطلقت مصر نحو حياة ديموقراطية وعهد جديد؟ وكيف ستكون فترة ما بعد مبارك؟ عاش المصريون خلال 18 يوماً ثورة لم يعرف التاريخ الحديث لها مثيلاً، إلى جانب ثورة أشقائهم التوانسة، إذ حركت تلك الثورة روح الشباب وصلابة المطالب ومشروعيتها، ما أجبر مبارك على التفويض لنائبه ثم التنحي، وقبل ذلك إعلان رفض التوريث وتعديل الدستور ودرس إلغاء قانون الطوارئ الذي استمر طوال فترة حكمه. وعلى رغم اختلاف الظروف بين ثورة 25 يناير 2011 وثورة يوليو 1952، إلا أن هناك تشابهاً بين الأسباب التي قامت من أجلها الثورتان، فقد قامت ثورة 1952 بانقلاب عسكري ضد استبداد السلطة وفساد نظام الحكم، وتدني مستوى المعيشة، والانهزامات العسكرية بعد نكبة 1948 في فلسطين، وتلاعب الملك فاروق بالدستور الوطني والصراع الحاد بين الأحزاب الوطنية من أجل الكرسي، وهي معظم الأسباب التي قامت من أجلها ثورة 25 يناير. يقول الشاب وائل غنيم، خبير الإنترنت الذي أصبح رمزاً ل «ثورة 25 يناير»، وصاحب صفحة «كلنا خالد سعيد» على موقع «فايسبوك»: «هذه الثورة تمثل الجيل الجديد من الثورات في العالم، وتنفرد بأنها انطلقت من الشباب، واعتمدت على شبكة الإنترنت». وقد قال منذ أكثر من عام تقريباً، إن «الإنترنت» ستغيّر وجه السياسة في مصر، وهو ما حدث بالفعل. ويبقى السؤال المطروح: هل ستعم هذه الثورة في المنطقة؟ ومن الدول العربية المرشحة لمثل تلك الثورة؟ ليس صحيحاً أن الثورات لا تستنسخ، فهناك جمهوريات عربية مرشحة لثورات شبابية وشعبية تحاكي ما حدث في تونس ومصر، وإن اختلفت المطالب. فربما نرى لتلك الثورة شبيهاً في سورية أو الجزائر أو اليمن، وربما تصل إلى مملكة البحرين أو الأردن. الأكيد أن أسوأ الشعوب تلك التي لا تستيقظ ولا تهبُّ لاستعادة كرامتها، والدفاع عن حقوقها عندما تداس وتهان وتقتل وتسجن ويزمجر السجانون فوق رؤوسها بحكم بوليسي. إنها تبقى شعوباً «جنائزية» لا قيمة لها أبداً. لقد نجح المصريون في تحقيق أهداف ثورتهم التي كتبوها بدماء شهدائهم، وإصرار شبابهم وصلابة عزيمتهم حتى رسموا خريطة طريق لشعوب أخرى، ربما تنتفض قريباً على أنظمة ظالمة تغيب عنها مبادئ العدالة الاجتماعية والإنسانية. لكن يتبقى على المصريين تجاوز الخلافات وتبادل الاتهامات وتصفية الحسابات ورفع قوائم سوداء لمن كان مع حكومة مبارك ومن كان ضدها حتى يتمكنوا من بناء البلاد على أسس ديموقراطية عادلة غير موشومة.