بقلم د. توفيق بن عبد العزيز السديري الحمد لله رب العالمين، أرسل إلينا أفضل الرسل، وأنزل علينا أفضل الكتب، وجعلنا خير أمة أخرجت للناس.. وبعد.. فعلى الرغم من أن أرض الجزيرة العربية هي مبهط الوحي ومنطلق رسالة الإسلام إلى الناس ومركز الشعاع الحضاري الإسلامي الأول فقد مرت هذه البلاد المباركة بعد القرون الإسلامية الأولى في حقبة زمنية خيم عليها التفكك والركود، وانتشر فيها الفقر، وساد الجهل ، وعادت بعض عادات الجاهلية الأولى الى سلوك الناس ومعتقداتهم إلى أن قيض الله سبحانه وتعالى عودة مصابيح الإسلام على يد طائفة من عباده ممن وصفهم سبحانه بأنهم :( أمةٌ يَهدُونَ بالحَقَّ وبَهِ يعدِلونَ) وممن بشر بهم سيد المرسلين عليه أفضل الصلاة والتسليم بقوله : " لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله، وهم ظاهرون" ، وقوله عليه الصلاة والسلام - : إن الله يبعث على رأس كل مائة عام من يجدد للمسلمين أمر دينهم". فكانت النواة الأولى مع ميلاد الدولة السعودية الأولى في النصف الأول من القرن الثاني عشر الهجري، اذا تحالف الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمهما الله - على الإصلاح وتصحيح ما اصاب البلاد والعباد من شر وبعد عن دين الله وعلى إقامة دولة الإسلام وتحكيمهم شريعة الله. واستمر هذا الهدف قائما في الدولة السعودية الثانية ثم الثالثة التي قامت على يد الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله. ولقد كان للملك عبد العزيز جهود عظيمة في توحيد المملكة العربية السعودية، وانتشال مجتمعها المتعدد والمترامي الأطراف ممِا كان فيه من انقسامات وخلافات وعداوات وحروب، إلى مجتمع الأخوة والتراحم والتعاطف. ولاشكّ أنّ أي باحث منصف يحق له ان يعتبر الملك عبد العزيز ظاهرة تاريخية في العصر الحديث، جديرة بالتأمل والدراسة والتحليل في جوانب عدة، ومجالات متنوعة. وحينما قام الملك عبد العزيز - يرحمه الله - بتوحيد المملكة العربية السعودية وبسط الأمن فيها، ونشر الطمأنينة بين ارجائها، استشعر أن اهم عامل وسبيل يعينه - بعد الله تعالى - على اتمام هذا الامر، إنّما هو تطبيق احكام الشريعة الإسلامية، وإلزام الناس بها في جميع تصرفاتهم وشؤونهم. يقول رحمه الله عندما اراد دخول مكةالمكرمة سنة 1343ه: "إني مسافر إلى مكة لا للتسلط عليها، بل لرفع المظالم والمغارم التي أرهقت كاهل عباد الله. إني مسافر الى حرم الله لبسط احكام الشريعة وتأييدها فلن يكون هناك سلطان إلا للشرع".