أي إنسان منا لا بد وأن يجد في بيئته ومجتمعه من يكرهه لسبب ولآخر! إذ لا يمكن أن يعيش إنسان بدون ذلك وللأسف، ليس في هذا العصر فحسب، بل أحسب أن الأمر قديم قدم البشر.. وحتى لو حاول المرء منا أن يكون أطيب من الطيبة ذاتها فلا بد وأن تجد من يعاديك أو يكرهك بدرجة وأخرى ولو لم تلقاه يوماً أو إن صح وجاز التعبير لا تعرفه مطلقاً!؟ قد تكون أعمالنا من أسباب كراهية ومعاداة البعض لنا، وقد يكون نجاحنا في حياتنا من الأسباب أيضاً، وقد يأتي بروزنا وشهرتنا في المجتمع ضمن أسباب وبواعث المعاداة في نفوس البعض، أو أسباب أخرى عديدة أكثر من أن نحصيها في هذا المساحة المحدودة.. ليست هذه هي القضية الأساسية، ولا أظن أنها تستاهل منا التفكير فيها والإهتمام بها،بل تجاهلها هو الأفضل والأجدى. ذلك أن الذي يكرهنا أو يعادينا يكون هو نفسه في ضيق وكدر دائمين، وهذا في ظني عقوبة قاسية منا لكارهينا ومعادينا. وهذا أولاً، أما الخطوة التالية في زيادة الهم عند معادينا هي إحراجه.. وهذه هي الطريقة الأمثل : لو قام الذي يعادينا ويكرهنا يوماً بذكر مساوئ وعيوب عنا أمام الناس وفي حضورنا، ولكن من دون أن يشير إلينا أو يذكر إسمنا، فلا نقاومه وندافع عن أنفسنا بل نقم نحن بتأييده وانتقاد من به تلك المساوئ أيضا وكأننا لا تعلم أبداً أننا المقصودين، وهذا ما سيثير استغرابه.. نحاول أن نجيب على تساؤلاته بالتطرق إلى موضوعات أخرى بعيدة عن الموضوع، فإن أصر على الموضوع وقام بتسميتنا هذه المرة وأننا المقصودين، فلنظهر له استغرابنا وأننا كنا نتوقع أن يكون ذلك مزحاً.. فإن رأينا إصرارا منه، نقم بتلطيف الأجواء عن طريق إجابات طريفة وسرد بعض النكات وهذا ما سيعمل على إغاظته وإثارته أكثر فأكثر، فتكون نتيجة ذلك ظهوره بمظهر غير لائق وهو ثائر غضبان، في حين نكون نحن كقطعة ثلج في صحراء سيبيريا الباردة لا تذوب أبداً. في ذلك الوقت سيبدأ الشخص بملاحظة نفسه وأنه ثائر على لا شيء وأن مظهره بالفعل غير لائق أمام الناس، فيبدأ بالميلان نحو التهدئة التلقائية،ومن ثم الوقوع تدريجياً في دائرة الإحراج، بدءً من الناس الحاضرين أو منا نحن المكروهين.. وموقفنا ذلك سيجعله يفكر مستقبلاً ألف مرة قبل أن يهاجمنا أمام الآخرين.. وسيدرك أنه ما كان يجب عليه القيام بذلك، فتراه وقد تركنا نهائياً قد لا يكون من المرة الأولى بل قد يترك معاداتنا وكراهيتنا أيضاً.. من هنا يتبين.. أن القوة في المرء هي في كتم الغيظ وضبط النفس، وليست في الرد..بالمثل.. فإن الذي يهاجم غيره، يترك دائماً ثغرات كثيرة دون أن يدرك ذلك، فتكون تلك الثغرات هي منطلقات للهجوم المضاد من الطرف الآخر إن أراد، ويكون ذلك الهجوم بالضرورة مؤثراً ومن ذلك يتعين على أي فرد منا الإبتعاد عن تلك التفاهات وصغائر الأمور، ولا يدع مجالاً أو مساحة في القلب لكُره أحد أو معاداته. فالحياة قصيرة ولا تستحق.. القوة في المرء هي : في " كتم الغيظ وضبط النفس،" وليست في الرد بالمثل.. " الكاظمين الغيظ.. والعافين عن الناس " اللهم اجعلنا منهم وإياكم.. د. سمير محمد شعث