يوماً بعد يوم تدخل أزمة مصر في منعطفات خطيرة وتسير الأوضاع من سيئ إلى أسوأ منذ الانفلات الأمني الذي يعصف بالارواح ومقدرات هذا البلد الشقيق وحصيلة متصاعدة في أعداد المصابين وسط حالة من الشلل السياسي التام، فيما يقوم الجيش بحراسة المنشآت والمؤسسات الحيوية، والمحافظة على دوره دون أن يكون طرفا في الازمة والصراع الدامي على الأرض في قلب القاهرة وشوارعها وبقية المحافظات وسط حالة من العجز والحسابات المتباينة بين اقطاب المعارضين، فيما توجه اصابع الاتهام الى جهات خارجية من جانب البعض. وإذا كان الفلتان الأمني الذي بدأ الاربعاء من الاسبوع الماضي وهو اليوم الثاني من انطلاق المظاهرة الشبابية التي انطلقت تحت شعار التغيير وإذا كان هذا الانفلات قد أثار الرعب والهلع في أنحاء البلاد وطرح تساؤلات كبرى حول غيار الدولة ، فإن المواجهات الدامية والمنعطفات الخطيرة المليئة بالمفاجآت الدامية تطرح السؤال الاكبر والحائر: إلى أين أزمة مصر بين المطالبين بالتغيير الذين رفعوا سقف مطالبهم من اصلاحات اقر بها الرئيس مبارك في خطابه الأخير، الى التمسك بمطالبة الرئيس على التنحي وزادت عليها القوى السياسية المعارضة برفض الحوار مع الحكومة الحالية التي دعت للحوار.وهكذا تشهد أزمة مصر مع كل يوم فصلاً جديداً يزيدها تعقيدا فيما تتقاتل أطراف الأزمة بين معارضي النظام بجميع أطيافهم من جانب ومؤيديه من جانب آخر وسط مشاهد من القتال الدامي الذي خلف قتلى واكثر من الف جريح، بعد دخول عناصر الحزب الوطني مسلحين بأسلحة بيضاء وقطع معدنية خطيرة وقناصة تحاول بها شق صفوف المتظاهرين.فقد اشتبك مع محتجون يطالبون برحيله بعد ما اعتبره كثيرون محاولة قمع تدعمها الحكومة للمظاهرات المطالبة بالديمقراطية. ووعد مبارك الثلاثاء بتسليم السلطة في سبتمبر في محاولة لنزع فتيل تحد غير مسبوق لحكمه الذي بدأ قبل 30 عاما مما اثار غضب المحتجين الذين يريدونه التنحي فورا ودفع الولاياتالمتحدة لان تقول ان التغيير "لابد وان يبدأ الان."وبعد ذلك بيوم طلب الجيش من الاصلاحيين العودة الى بيوتهم وقام انصار مبارك مهاجمة المحتجين في ميدان التحرير بالقاهرة ملقين قنابل بنزين وشاهرين عصي ويمتطون خيولا وجمالا. ورد المتظاهرون المعارضون لمبارك بالقاء الحجارة وقالوا ان المهاجمين شرطة في ملابس مدنية. ونفت وزارة الداخلية هذا الاتهام ورفضت الحكومة المصرية دعوات دولية كي ينهي مبارك حكمه الان .وادى هذا الزجر الواضح مع تصاعد اعمال العنف بعد ايام من المظاهرات الهادئة نسبيا الى تعقيد الحسابات الامريكية لتحول منظم للسلطة في مصر.ووقفت قوات الجيش والدبابات دون تدخل مع احتدام اعمال العنف.ومازال المحتجون يتمسكون بمواقعهم في ميدان التحرير بؤرة الاحتجاجات ضد النظام.واستمرت المناوشات حتى ساعة صباح أمس وهناك اطلاق نار متقطع مع حرائق نتيجة استخدام قنابل حارقة. وقتل 145 شخصا على الاقل حتى الان ووقعت احتجاجات في شتى انحاء مصر. وقالت نافي بيلاي مفوضة الاممالمتحدة السامية لحقوق الانسان ان مايصل الى 300 شخص ربما يكونون قتلوا.وحث عمر سليمان نائب الرئيس المصري المتظاهرين البالغ عددهم الفان والذين يقيمون في ميدان التحرير على المغادرة والالتزام بحظر تجول لاستعادة الهدوء. وقال ان بداية الحوار مع الاصلاحيين والمعارضة يتوقف على انهاء احتجاجات الشوارع.وفي حثها المحتجين على اخلاء الشوارع ابلغتهم القوات المسلحة ان مطالبهم سمعت. ولكن البعض مصمم على احتلال الميدان حتى تنحي مبارك.ومهما كانت دمويتها وعنفها فانه سيبقى مع اشقائه وشقيقاته في ميدان التحرير حتى اما يموت او يترك مبارك البلاد.ودعا ائتلاف للمعارضة التي تضم جماعة الاخوان المسلمين الى مزيد من الاحتجاجات. وقال انها لن تتفاوض الا مع سليمان وهو مدير سابق للمخابرات عين نائبا للرئيس في مطلع الاسبوع فور تقاعد الرئيس.واثارت الازمة قلق الولاياتالمتحدة والحكومات الغربية الاخرى والتي كانت تعتبر مبارك حصنا للاستقرار في منطقة متقلبة واثارت احتمال امتداد الاضطرابات. واتصل الرئيس الامريكي باراك اوباما لحثه على التحرك بشكل اسرع بشأن التحول السياسي.وقال جيبز ان"الرسالة التي ابلغها الرئيس بشكل واضح للرئيس مبارك هي ان وقت التغير حان."واضاف "الان يعني الان."واكدت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون في اتصال مع سليمان هذا الموقف الامريكي. وقال روبرت دانين وهو مسؤول امريكي كبير سابق ويعمل الان في مجلس العلاقات الخارجية "يبدو ان هذا زجر واضح لجهود ادارة اوباما والمجتمع الدولي في محاولة للمساعدة في ادارة تحول سلمي من مبارك الى مصر جديدة وديمقراطية." وتقدم الادارة الامريكية للجيش المصري مساعدات تبلغ 1.3 مليار دولار سنويا. ولكن الدعم الدولي لمبارك وهو طرف رئيسي في عملية السلام بالشرق الاوسط والدفاع في مواجهة التشدد تداعى مع محاولة للخروج من الازمة.وحثت فرنسا والمانيا وبريطانيا ايضا على تحول سريع.وتراقب اسرائيل ايضا بتوتر الوضع في مصر. وفي مطلع الاسبوع اجري مبارك تعديلا في حكومته ووعد باجراء اصلاحات ولكن ذلك لم يكن كافيا بالنسبة للحركة المطالبة بالتغيير، وتنذر الاوضاع بمخاطر فاصلة مع الدعوة لما اسموها جمعة الرحيل اليوم.