تتوجّه الأنظار إلى السودان الذي يشهد مرحلة تاريخية جديدة قد تغيّر من خارطته الحالية بعد الفصل بين شماله وجنوبه، والذي حسمه بشكل مبدئي استفتاء شعبي حول جنوب السودان ذي الأغلبية المسيحية والوثنية ويأتي هذا الاستفتاء بمقتضى اتفاقية سلام وقعت بين المتناحرين من شمال وجنوب السودان عام 2005 والتي نصت على إنهاء أكثر من 22 سنة حرب أهلية طاحنة بين الشقّين وعلى إجراء استفتاء لتقرير مصير جنوب السودان بعد فترة انتقالية تمتد لست سنوات تسيّر خلالها حكومة مؤقتة جنوب السودان.وينتظر أن يتم بالتوازي مع هذا الاستفتاء التصويت حول تقاسم الشمال والجنوب لأغنى منطقة نفطية في السودان وهي آبيي والتي يدور حولها خلاف قبلي كبير بسبب ثروتها النفطية. أيضا يتزامن هذا الاستفتاء مع مجاهدة السودان لغلق ملف إقليم دارفور نهائيا بعد حلول أجل الانتهاء من المفاوضات بشأنه وبإشراف قطري في 31 ديسمبر المنقضي، والذي من المفترض أن يتجسد على أرض الواقع من خلال التوقيع لاحقا على اتفاق سلام بين حركات التمرّد في دارفور وبين الحكومة السودانية. وعلى تشابك الملفات السياسية والعرقية التي يتخبط فيها السودان، المنهك أصلا بحروب أهلية شرسة عرقلت من تنميته، فإن ملف السودان الاقتصادي قد يكون هو الباطن الأساسي لأي تغيير قد يطرأ على جغرافيته بعد الاستفتاء حتى وإن طغت الأبعاد السياسية والعرقية على سطح ظاهره. فما هي خصائص الاقتصاد السوداني العامّة، وكيف سيتشكل السودان اقتصاديا بعد الاستفتاء في صورة اختيار الجنوبيين الانفصال، وما هي تداعيات هذا الانفصال على واقع السودان الاقتصادي ؟ وكيف ستتم معالجة الديون الخارجية للسودان؟ إن المتأمل في تفاصيل الخارطة السودانية يكتشف للوهلة الأولى الثروات الطبيعية الضخمة والمتنوعة التي ينعم بها، هذا دون اعتبار الثروة الثقافية المتمثلة أساسا في تنوّع تركيبته العرقية والإثنية ، رغم إثبات هذه الأخيرة أنها في واقع الأمر "نقمة" حالت دون تمتع سكان السودان بنعمة الثروات الطبيعية. وإن طغى ملف النفط على محتوى التقارير العالمية حول الأبعاد الاقتصادية للاستفتاء حول انفصال جنوب السودان من عدمه عن شماله، فإن ثروة السودان الزراعية في شماله أو جنوبه لا تحجب حقيقة أن الزراعة تحتكر أكثر من 31 % من قيمة الاقتصاد السوداني. وتتمركز الزراعة ذات البعد الإنتاجي والقيمة التصديرية في شمال السودان، وتتمثل أساسا في مواد القطن والصمغ العربي والفول السوداني والسمسم إضافة إلى تربية المواشي وإنتاج اللحوم. ثروة زراعية مهملة من جهته، يتمتّع جنوب السودان، موضوع الاستفتاء، بدوره ببنية تحتية طبيعية تُنبئ بآفاق زراعية واعدة لهذا الشطر من البلد الأكبر عربيا وإفريقيا. ويحتكر جنوب السودان نحو 70% من مساحة الغابات في الدول العربية، كما يشير أحدث تقرير لصندوق النقد العربي إلى أن "السودان تأوي الغابات وخاصة منها الاستوائية الواقعة جنوبه والمجمعات النباتية والحيوانية الطبيعية الغنيّة بالاحتمالات الوراثية وذات القيمة الحيويّة بالغة الأهمية في تحسين المحاصيل الزراعية،".كما يتمتع الجنوب بثروة الخشب بفضل خاصية طبيعة الأدغال لديه والأشجار الغابيّة والتي يعتبر خشبها الأجود في العالم. هذا دون اعتبار ثروة المياه واحتواءه على منابع الأنهار. غير أن جنوب السودان، وعلى هذه الثروة الطبيعية التي يتمتّع بها، بقي معتمدا على إيرادات النفط التي تسيطر على نحو 98% من مجموع اقتصاده، وهو ما يؤشر إلى توفر هامش تنمية كبير لديه، الذي قد يتم تحقيقه من طرف حكومة جنوب السودان مستقبلا لتنويع قاعدة اقتصاده بعد انفصاله عن الشمال. ويتحقّق ذلك في صورة قدرتها على تجنّب التورط في مستنقع الاحتقانات السياسية والعسكرية مع الشمال التي قد تلهيها عن تنمية الجنوب. يشار إلى أن حكومة الجنوب المؤقتة والتي يترأسها حاليا رئيس الحركة الشعبية سيلفا كيير، خصصت جلّ أموال النفط التي تحصل عليها مناصفة من الحكومة المركزية بالشمال لفائدة مجهودات التسلح والعسكرة منذ اتفاق السلام عام 2005 الموقّع بين الحكومة المركزية للسودان في الخرطوم وبين الحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة جون غرنغ آنذاك قبل مصرعه بعد شهر في تحطم طائرة. يذكر أنه تم بموجب هذه الاتفاقية وقف نزيف حرب أهلية عنيفة امتدت على 22 سنة بين شمال السودان وجنوبه بسبب الاختلافات العرقية والتفاوت التنموي الذي يحظى به الشمال على حساب الجنوب. وقد حصدت هذه الحروب أرواح مليوني شخص وتشريد نحو 4 ملايين على امتداد فترة 1983-2005. تفوّق عربي وحسب أرقام صندوق النقد العربي تتفوق السودان عربيا في الإنتاج الزراعي بعد مصر، حيث تقدر قيمة الزراعة في تركيبة الناتج المحلي الإجمالي نحو 18 مليار دولار في حين تساهم الصناعات الاستخراجية وأساسا النفط، في تركيبة الاقتصاد السوداني بنحو 10 مليارت دولار. وتتوزع باقي المجالات الاقتصادية بين 17.4 مليارات دولار لقطاع الخدمات و4.7 مليارت دولار للصناعات التحويلية و2.5 مليارات دولار لمجال التشييد. وتقدر قيمة الناتج المحلي الإجمالي للسودان بنحو 61 مليار دولار، حسب أحدث الأرقام المتوفرة. ويلاحظ أن هناك اختلافا في الأرقام الخاصة بالاقتصاد السوداني باختلاف مصادر هذه الأرقام، ويُرجع مراقبون ذلك إلى محاولة الحكومة المركزية في الشمال لتعتيم جانب من هذه الأرقام خاصة تلك المتعلقة منها بالنفط في ظل صراعها غير المعلن مع حكومة الجنوب المؤقتة. وعلى تمتّعه بثروات طبيعية هائلة ومتنوعة، يتكبّد السودان أدنى وتيرة نمو محققة عربيا على مستوى متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي والتي تقدر بأقل من 5.3% وبقيمة تناهز 1600 دولار سنويا للفرد الواحد. يشار إلى أن هناك تفاوتا حادا في توزيع الثروة الاقتصادية بين مواطني جنوب السودان وشماله حيث أن 90% من الجنوبيين يعيشون على أقل من دولار واحد يوميا حسب أرقام أممية التي تفيد أن عدد السودانيين يناهز 41 مليون ساكن حاليا. ورغم المساحات الشاسعة الزراعية التي يحظى بها السودان، فإن إنتاجية المُزارع في السودان في الفترة 2003-2005 تقدر ب371 دولار فقط مقابل 5223 دولار في السعودية و23 ألف دولار في الولاياتالمتحدة الأميركية، حسب دراسة مقارنة ل"البنك العالمي"، وهو ما يؤشر إلى ضعف المجهودات الحكومية في السودان لتطوير زراعته. ويعتبر السودان "سلة العرب الغذائية" حيث لجأت دول عربية وأساسا الخليجية منها إلى الاستثمار الزراعي في السودان في محاولة منها لسد فجوة عجزها الغذائي التي تعاني منه كل الدول العربية تقريبا. ويُعوّل عربيا على السودان لتحقيق أمن المنطقة الغذائي وهو ما يفسّر إلى حد كبير اهتمام المستثمرين العرب بالاستثمار في السودان رغم مخاطر الصراعات التي تخيّم على أجواء هذا البلد. وحقّق السودان وحسب أحدث الأرقام الصادرة عن صندوق النقد العربي نموا ب12% في مجال الاستثمار. وبالإضافة إلى ثروته الطبيعة، فإن خصائص تركيبة السكان في السودان التي تقطن 62% منها الأرياف، لم تساعد على النهوض بالزراعة بسبب غياب برامج تنموية ذات جدوى طويلة في مجال الزراعة، أيضا بسبب الحروب الأهلية التي أنهكت السودان وألهت حكومته عن تنمية البلاد. وفي ذات السياق، يتكبد السودان أعلى معدلات البطالة عربيا بعد جيبوتي والصومال وموريتانيا وبنسبة 20% من القوى العاملة في ظل تضخم يعد من بين المستويات العليا المسجلة عربيا وتجاوز 16% عام 2008 مقابل معدل ب3% تفرضه معايير الاقتصادات التي تتمتع باستقرار على مستوى توازناتها العامة من حيث التضخم وأداء الميزان الجاري والدين العام وعجز ميزانية الدولة. اجتماعيا تؤشر مثل هذه الأرقام إلى مدى ضعف المقدرة الاستهلاكية للمستهلك السوداني ومدى حدة الفقر المدقع الذي يعانيه المجتمع السودان خاصة وأنه يضرب نحو 50% من السودانيين حسب أرقام 2002 مقابل 90% عام 1996. وفي ظل غياب أرقام رسمية عن معدلات الفقر في السودان، فإنه يتوقع تقلص هذا الرقم إلى مستويات أقل بعد اتفاق السلام عام 2005 بين الشمال والجنوب. ويتناقض هذا الوضع الاجتماعي والاقتصادي في السودان مع الثروات الذي يمتكلها هذا البلد "الغني". فبالإضافة إلى ثروته الزراعية والنفطية، يحتضن شمال أراضي السودان وجنوبها ثروات معدنية متنوعة وكبيرة حسب تقدير مراقبين تتمثل أساسا في الذهب والحديد والمغنيزيوم والماس. النفط والأزمات في مقابل أهمية الزراعة بالاقتصاد السوداني ومساهمتها في تركيبة الناتج المحلي الإجمالي ، ينصب اهتمام المراقبين العالميين للشأن السوداني بمناسبة استفتاء 9 يناير، على ثروته النفطية التي مكّنت السودان من إيرادات شارفت على 12 مليار دولار عام 2008 ، حسب ما ورد في أحدث تقرير لصندوق النقد العربي حول اقتصادات الدول العربية. وتمثل عائدات النفط نحو 90 % من محاصيل السودان التي يجنيها بالعملة الأجنبية من خلال عمليات التصدير. يذكر أن التنقيب عن النفط في السودان بدأ نهاية خمسينات القرن الماضي أي بعد استقلاله من الاحتلال البريطاني عام 1956 وقد تركز في البداية بالمنطقة الساحلية على ضفاف البحر الأحمر في الشمال قبل أن يتحول اهتمام المستثمرين الأجانب وعلى رأسهم الصين إلى جنوب السودان الذي يستأثر بأكثر من ثلاث أرباع إنتاج الذهب الأسود. ويناهز معدل الإنتاج الحالي للنفط في السودان نحو 500 ألف برميل يوميا، وحسب دراسة أعدتها شيفرون الأميركية التي كانت تعمل في السودان إلى منتصف ثمانينات القرن الماضي قبل انسحابها بسبب اندلاع الحرب الأهلية عام 1983، "فإن السودان يعوم على احتياطي ضخم من البترول". ويلاحظ أن تهديد مصالح المستثمرين الأجانب في قطاع النفط وتعرض منشآته إلى هجومات من متمردين إبّان الحروب الأهلية الماضية، جعل من هذه الاستثمارات غير مستقرة، وقد ركّزت الحكومة السودانية مجهوداتها منذ بداية تسعينات القرن الفائت على اجتذاب المستثمرين الأجانب بعد إقامة التحالف النفطي الأول المتمثل في "مشروع نفط النيل الكبير" والذي تمتلك فيه الصين حصة ب 40 % مقابل 5% للحكومة السودانية، في حين تتوزع باقي الحصص على مستثمرين من ماليزيا وكندا أساسا. عربيا، تعتبر قطر من أول الدول العربية المستثمرة في السودان في مجال النفط عبر حقول "بترو دار" منذ تسعينات القرن الماضي. وتؤكد دراسات متخصصة أنه لم يتم وإلى حد الآن، استكشاف إلا 20 % من المساحات في السودان التي تحمل في أعماقها ثروة الذهب الأسود. وتتفق تقارير من مصادر مختلفة على أن باطن أراضي جنوب السودان يحتضن ما يناهز 6 مليارات برميل نفط أو ما يعبر عنه بأوساط الطاقة، بالاحتياطي المؤكد من النفط. وتبقى منطقة آبيي حاليا القلب النابض في السودان لهذه الثروة الناضبة. وتتاخم هذه المنطقة إقليم دارفور غرب السودان كما تقع على الشريط الحدودي بين شمال السودان وجنوبه. ويلاحظ أنه وقع التعتيم وبشكل واضح على حيثيات الاستفتاء حول هذه المنطقة تزامنا مع استفتاء الجنوب، علما وأنها تحتكر نحو 80% من انتاج الجنوب للنفط.وتعاني منطقة آبيي بدورها من صراعات قبلية من خلال قبيلتين أساسيتين تتواجد بها وهي قبيلة "المسيرية" التي تنزع إلى ضمّ هذه المنطقة إلى الشمال وقبيلة "الدينكانقوك" التي ترى ضرورة أن تبقى آبيي ضمن منطقة الجنوب. وقد كشفت مصادر من الحكومة المركزية سابقا عن رغبتها في تأجيل الاستفتاء حول تقاسم آبيي والمقرر تنظيمه أيضا في 9 يناير بالتزامن مع تقرير المصير في جنوب السودان، حسب اتفاق 2005.وتتمثل أبرز ولايات الجنوب الذي يعد حاليا نحو 9 ملايين ساكن، في الوحدة، الاستوائية، أعالي النيل، بحر الغزال وجونجلي. وتعد قبيلة الدينكا نحو نصف تعداد الجنوب السكاني.وبصفة عامة تتوزع الاعراق في السودان بين أفارقة (52%)، العرب (39%)، البيجا (6%)، عرقيات أخرى (1%)، أجانب (2%). على المستوى الديانة، تشمل الديانة الإسلامية 70% من مجموع السكان والديانة الوثنية 25% والمسيحية 5%، وتتمركز هذه الأخيرة بالخصوص في جنوب السودان. الدّيون والانفصال وفي سياق تحليل التداعيات الاقتصادية حدوث انفصال جنوب السودان عن شماله، يتوقع مراقبون انكماشا كبيرا لعائدات الحكومة المركزية في السودان وهو ما سيفقد الشمال توازنه الاقتصادي في ظل ديون خارجية ترزح تحتها السودان تقدر ب40 مليار دولار ، وما يؤشر أيضا إلى بروز أزمة حول من سيتحمل العبء الأكبر لهذه الديون في صورة حدوث الانفصال، رغم تقليل محافظ البنك المركزي السوداني صابر حسن تداعيات هذا الانفصال على توازنات اقتصاد الشمال. وتمثل هذه الديون أكثر من 67% من الناتج المحلي الإجمالي للسودان. ويذكر أن ممثل مؤسسة إصدار النقد السودانية أكد في الصدد ذاته "أن أثر الانفصال سيكون أقل مما سببته الأزمة المالية التي أفقدت الاقتصاد السوداني 76% من تدفقات النقد الأجنبي"، حسب ما نُشر في تقارير إعلامية عالمية وبمناسبة لقاء عقده مؤخرا المحافظ السوداني مع اتحاد المصارف السوداني.ويرى بعض المراقبين أنه من المفروض أن يتحمّل شمال السودان الجزء الأكبر من هذه الديون بما أنه هو المستفيد الأكبر من هذه الديون التي تحصل عليها لفائدة تنميته بالأساس، وهو ما يؤكده مستوى البنية التحتية والمعيشة المتفوق في الشمال مقارنة بالجنوب الذي لازال يتخبط في الفقر والتخلّف ضمن إطار بنيوي يتّسم بالبدائية.وعن الديون الخارجية للسودان يرى وزير مالية السودان الأسبق الزبير أحمد حسن أن ديون السودان تضخمت نتيجة عدم معالجتها مبكرا مثلما حصل الأمر لدول أخرى تمر بظروف مماثلة لتلك في السودان. وأكد ذات المتحدث في حوار صحفي نشرته صحيفة الراية القطرية في عدد 3 يناير 2011، أن أصل دين السودان هو 12 مليار دولار فقط. في حين يمثل أكثر من ضعفها تكلفة هذه الديون من فوائد وتكاليف أخرى نتيجة التأخير في تسديد المستحقات.كما كشف الوزير ذاته ، الذي اشتغل حقائب وزارية أخرى والمكلف حاليا بأمانة اللجنة الاقتصادية بالحزب الحاكم في السودان، أنه تم استبعاد السودان من معالجة هذه الديون رغم حصوله على وعود حول تنفيذ برنامج لإعفائه من تسديدها، بعد توقيع اتفاقية السلام عام 2005.وفي صورة حدوث الانفصال، وتحسبا لأي نقص في مصادر التمويل للحكومة السودانية بالشمال، تم الإعلان في السودان عن إصلاحات ضريبية تمكّن حكومة الشمال من إيرادات ثابتة إضافة إلى ضبط الإنفاق واعتماد سياسة التقشف. يشار إلى أن حكومة السودان بصدد تنفيذ مشروعات تنموية بقيمة 200 مليون دولار، حسب مستشار رئيس السودان عمر البشير. كما تسعى الحكومة السودانية حاليا، وحسب ذات المصدر، إلى الحصول على تمويلات إضافية من الصناديق العربية ودول صديقة مثل الهند والصين. وتعد هذه الأخيرة من أهم حلفاء السودان خاصة على مستوى الاستثمار والدعم السياسي والعسكري للحكومة السودانية، التي تواجه في الوقت ذاته ضغوطات أميركية اكتست رداء الدفاع عن حقوق الإنسان في السودان، لكنها تُخفي في حقيقة الأمر مطامع أميركا الاقتصادية في السودان وفي إفريقيا عامة خاصة بعد وضعها شعار "2011 عام أفريقيا". ويأتي هذا الاهتمام في محاولة أميركية لسد الفراغ الذي أحدثته بغيابها عن الساحة الإفريقية مقابل تواجد مكثّف للصين. وفي هذا السياق يقول المبعوث الخاص لإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما ، الجنرال المتقاعد سكوت غريشن: " لا نريد رؤية وضع يزداد فيه عدد اللاجئين والقتلى والمزيد من عدم الاستقرار...وكلما كانت هناك زعزعة للاستقرار كلما تراجعت التنمية في السودان"، حسب تصريحات أدلى بها لصحيفة "الشرق الأوسط" السعودية. قضايا أساسية تتمثل أبرز القضايا التي ستواجهها السودان بمناسبة الانفصال وفي صورة حدوثه، في اعتماد الحكومة الكبير على إيرادات النفط على حساب القطاعات الأخرى، وأيضا في النسبة العالية للديون في ظل أوضاع سياسية وأمنية متشنجة وكثرة الإنفاق على الأسلحة والدفاع من الجانبين الشمالي والجنوبي. ولا يستبعد الخبير ذاته إمكانية الوصول إلى اتفاق بأن تكون حصة الشمال أقل من 50% الحالية من مجموع عائدات نفط الجنوب. كما يؤكد المصدر نفسه ل"اسلام اون لاين"، على ضرورة إيلاء أهمية أكبر للزراعة في الشمال لتحقيق إيرادات أكبر، خاصة وأن مساحات زراعية كبيرة لم يتم استغلالها بعد، وهو ما يعتبره الخبير ذاته "الحلّ الأكثر واقعية في الوقت الراهن". يجدر التذكير أن جنوب السودان يعتمد على البُنى التحتية المتوفرة بالشمال لتحويل النفط إلى محروقات، إضافة إلى أن الجنوب، لا يمكنه تصدير نفطه إلا عبر الشمال الذي يحتكر آلية نقل النفط عبر أنابيب بطول 1600 كلم تمتد من الجنوب إلى موانئ التصدير بالشمال على ضفاف البحر الأحمر والتي تم انشاءها منذ 1999. ومن غير المستبعد أن يستقلّ الجنوب مستقبلا عن خدمات الشمال في نقل النفط لكن هذه الفرضية تتطلب زمنا متوسط المدى لتنفيذها وبشرط عدم ظهور صراعات واحتقانات بين الجنوب والشمال بعد الاستفتاء. في المقابل، لا يستبعد الدكتور سعد خليل "حدوث هزّة في السوق المحلية للسودان نتيجة الهلع والخوف من انعكاسات الانفصال، تتزامن مع ارتفاع للأسعار وتقلص في عائدات الدولة"، حسب تعبيره. *كاتبة وإعلامية تونسية