في التاسع من تموز/ يوليو 2011، ستولد دولة جديدة باسم جمهورية جنوب السودان، ستشكل الدولة 193 في العالم، وال 55 في القارة الأفريقية، حيث تقع في الشرق منها. وتبلغ مساحة جنوب السودان نحو 700 ألف كيلو متر مربع، أو ما يساوي 28% من المساحة الكلية للسودان. ويقدر عدد مسلمي الجنوب ب18% والمسيحيين ب 17% وغير الدينيين (الوثنيين والأرواحيين) ب65%. وللجنوب السوداني حدود تمتد لنحو 2000 كيلومتر تقريباً، مع خمس دول هي: إثيوبيا وكينيا وأوغندا والكونغو وأفريقيا الوسطى. ويعتبر جنوب السودان مصدر نحو 75% من الإنتاج النفطي الحالي للسودان، البالغ 500 ألف برميل يومياً، علماً بأن تعداد سكان الجنوب لا يتجاوز كثيراً التسعة ملايين نسمة، من أصل نحو 44 مليون نسمة هم إجمالي سكان البلاد، وفق مؤشرات منتصف العام 2010. إن السودان قد دخل مرحلة جديدة في تاريخه السياسي، مرحلة تحمل في طياتها قدراً متعاظماً من التحديات، يتجلى بُعدها الأبرز في انفصال الجنوب، لكن ذلك يبقى بعداً واحداً وحسب. وفي الخامس عشر من شباط/ فبراير الجاري، قال مسؤول في حكومة جنوب السودان إن الجنوب لن يتقاسم مع الشمال عائدات بيع النفط بعد تكوين الدولة الجديدة، لكنه سيدفع له رسوم النقل عبر خطوط الأنابيب. وقد يقدم منحاً لمساعدة الخرطوم على التعويض عن العائدات المفقودة. وبموجب بنود اتفاقية نيفاشا، الموقعة في التاسع من كانون الثاني/ يناير 2005، أو ما يعرف باتفاقية السلام الشامل،الموقعة بين حكومة الخرطوم والحركة الشعبية لتحرير السودان، التي تمثل الإقليم الجنوبي، يحصل الشمال حالياً على نصف عائدات بيع النفط الذي يستخرج في الجنوب، في حين تتشكل ما نسبته 98% من عائدات حكومة الجنوب من إيرادات النفط. وليس ثمة خط أنابيب أو معمل لتكرير النفط خاص بالجنوب، كما أن الدولة الجنوبيةالجديدة ستكون دولة حبيسة أي لا سواحل لها.وهي قد تعتمد في تجارتها الخارجية بدرجة كبيرة على ميناء مومباسا الكيني في المحيط الهندي، لكن هذا الأمر لن يشمل النفط، في المدى المنظور على الأقل، وذلك بالنظر إلى حجم البنية التحتية الكبيرة التي يحتاجها نقل النفط الجنوبي عبر المحيط الهندي. وفي السادس عشر من شباط/ فبراير الجاري، قالت سلطات الجنوب بأنه إذا حدث المزيد من الاكتشافات النفطية، التي تستدعي إنشاء خطوط أنابيب جديدة، فسيجري إنشاء هذه الأنابيب.كما أوضحت السلطات بأنها مهتمة أيضاً بإنشاء طرق لنقل النفط إلى موانئ في كينيا وجيبوتي وجمهورية الكونغو الديمقراطية. ولا يملك السودان ذاته ساحلاً بحرياً سوى في شماله الشرقي؛ حيث جنوب البحر الأحمر. وهذا الساحل لا يتجاوز 853 كيلومتراً، من أصل حدود البلاد الأصلية، البالغة 7.68 آلاف كليومتر، والتي يقع معظمها حالياً مع ثلاث دول هي إثيوبيا ومصر وجمهورية أفريقيا الوسطى. ومنذ العام 2005، وضعت اتفاقية نيفاشا حداً للحرب بين الشمال والجنوب، وكان من نتائجها أيضاً إقرار الدستور الانتقالي للسودان (تموز/يوليو 2005)، الذي أقر اعتماد الحكم الفيدرالي. واستناداً لاتفاقية السلام الشامل، التي عرفت باتفاقية نيفاشا، جرى الاستفتاء على انفصال جنوب السودان، والتصويت على إنشاء دولة مستقلة. وفي السابع من شباط/ فبراير 2011، أعلن الرئيس السوداني عمر حسن البشير أن حكومته أقرَّت بالإجماع النتائج النهائية للاستفتاء على تقرير مصير جنوب السودان، الذي جرى في كانون الثاني/ يناير من نفس العام، والذي أظهر أن 98.83% من المقترعين قد صوتوا لصالح الانفصال عن الشمال. وعلى الرغم من ذلك، ثمة خلافات جوهرية لا تزال قائمة بين الطرفين الشمالي والجنوبي، أبرزها تقاسم الثروة النفطية، وهو الأمر الذي يصر عليه الشمال ويرفضه الجنوب. وهناك أيضاً النزاع بشأن منطقة أبيي الغنية بالنفط، التي يخشى أن تكون سبباً للعودة إلى الحرب. وقد كان من المفترض أن يجري استفتاء في أبيي في كانون الثاني/ يناير الماضي، بالتزامن مع استفتاء الجنوب، بيد أن هذا الاستفتاء تأجل بسبب استمرار الخلاف حول من يحق له التصويت، ففي حين رأى الجنوبيون اقتصاره على قبيلة دينكا نقوك الجنوبية، أصر الشماليون على أن الحق بالتصويت يجب أن يشمل قبيلة المسيرية العربية، التي تقطن المنطقة. ويُقدَر بأن ثلث سكان السودان تقريباً يسكنون ولايات التماس السودانية على طرفي الحدود، وتربط بينهم روابط المصاهرة والمصالح المشتركة. ومن الخلافات القائمة أيضاً بين الشمال والجنوب، رفض الأخير المساهمة في سداد الديون الخارجية المستحقة على السودان، حيث يعتبر أن هذه الديون قد استخدمت في الأصل في تمويل الحرب ضده. وكانت الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب قد دامت عقوداً من الزمن (1955-1972 و1983-2003)، وأسفرت عن قتل ما يزيد على مليوني شخص، وتشريد أربعة ملايين آخرين، أصبحوا لاجئين داخل وطنهم. كما لجأ نحو 420 ألف نسمة للدول المجاورة. وهناك اليوم العديد من التصورات الخاصة بمستقبل الدولة الجديدة في جنوب السودان، وخاصة لناحية مقوماتها الاقتصادية. ويمكن أن نشير هنا بداية إلى أن الجنوب السوداني يحظى بواحدة من أكثر الأراضي خصوبة على صعيد عالمي، كما يتمتع بمنسوب غزير من الأمطار الاستوائية. وفي الوقت الراهن تشكل المراعي 40% من مساحة الجنوب، وتشغل الأراضي الزراعية 30%، والغابات الطبيعية 23% والسطوح المائية 7%. وعلى الرغم من ذلك، فإن التنمية الزراعية لم يقدر لها التطوّر والنهوض على نحو ينسجم وفائض الخيرات الطبيعية التي حظيت بها هذه الأرض. والسبب في ذلك هو الحرب المديدة بين الشماليين والجنوبيين. والنتيجة أن جنوب السودان يعتمد اليوم بصورة شبه كاملة على عائدات النفط. وتشير التقارير إلى أن حكومة الجنوب قد أنشأت منذ اتفاقية السلام عام 2005، وبمساعدة من المانحين، 29 وزارة على مستوى الإقليم، وشقت ستة آلاف كيلومتر من الطرق، وزادت مستوى الانتظام في التعليم إلى أربعة أمثاله, كما قضت على تفشي شلل الأطفال والحصبة - وفقاً لتقارير الأممالمتحدة. كذلك، تساعد قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في تدريب الشرطة والجيش في جنوب السودان،لكنها ليست قادرة على منع الاشتباكات التي تحدث على خلفيات عرقية، أو انشقاقات حزبية، ناهيك عن أي احتمال للحرب بين الشمال والجنوب. وفي 29 كانون الثاني/ يناير الماضي، أعلن متحدث باسم حكومة جنوب السودان، تسلم حكومته عشر مروحيات للنقل العسكري، سوف تمثل نواة للقوات الجوية للدولة القادمة. من ناحيته، فإن شمال السودان سوف يغدو، بفعل انفصال الجنوب، أكثر معاناة مما هو عليه اليوم، وتحديداً بسبب ذهاب ثلاثة أرباع إنتاج البلاد النفطي للجنوب، الذي لن يقبل الدخول معه في أي تقاسم للثروة. وذلك خلافاً للتصورات التي كانت سائدة حتى وقت قريب. وقد بلغ الناتج القومي الإجمالي للسودان (بشماله وجنوبه) 98.7 مليار دولار في العام 2010، صعوداً من 93.9 مليار دولار عام 2009. وكان معدل النمو المسجل في العام الماضي قد بلغ 5.2%، صعوداً من 4.2% في السنة السابقة له. وتساهم الزراعة بما نسبته 32.1% من الناتج القومي الإجمالي، مقابل 29% للصناعة ( وهي في الأساس صناعة استخراجية)، و 38.9% للخدمات. ويبلغ معدل دخل الفرد السنوي في السودان 2200 دولار، وفق مؤشرات العام 2010. ويحتل السودان على هذا الصعيد المرتبة 186 عالمياً، بعد الكاميرون (2300 دولار)، وقبل موريتانيا (2100 دولار).علماً بأن المتوسط العالمي هو 11100 دولار. وفي العام 2010، كانت نسبة الدين العام إلى الناتج القومي الإجمالي في السودان تبلغ 94.2%، وهي واحدة من أعلى النسب المسجلة في العالم. وتحديداً، يحتل السودان المرتبة 12 عالمياً على هذا الصعيد، متقدماً على سري لانكا. وهو الثاني عربياً بعد لبنان، الذي يحتل المرتبة الرابعة عالمياً، بنسبة قدرها 150%. وبلغت نسبة التضخم في السودان 11.8% في العام 2010، صعوداً من 11.2% عام 2009. وبلغت القيمة الإجمالية للصادرات السودانية 9.7 مليارات دولار ( المرتبة 87 عالمياً)، كما هي مسجلة في العام 2010. ويعد هذا المستوى من الصادرات منخفضا نسبياً قياساً بعدد سكان البلاد. وهذا فضلاً عن أن قسطاً كبيراً من هذه الصادرات عبارة عن نفط خام. كذلك، تشير قيمة واردات السودان للعام ذاته، والبالغة 4.48 مليارات دولار، إلى محدودية ارتباط البلاد بالتجارة الدولية. على صعيد أمني، سجل السودان معدلات متقدمة نسبياً من الإنفاق العسكري، حيث بلغ إنفاقه العسكري حوالي ملياري دولار في العام 2006. وبلغت نسبة هذا الإنفاق للناتج القومي الإجمالي في العام نفسه 4.4%. وكانت هذه النسبة قد وصلت إلى 5.8% عام 2004. وهي نسبة عالية كثيراً بالمعايير الدولية. واستورد السودان خلال الفترة 1999 – 2009 أسلحة ومعدات عسكرية بقيمة 1060 مليون دولار، كانت حصة روسيا منها 716 مليون دولار، والصين 143 مليون دولار. وكان نصيب الطائرات الحربية من إجمالي هذه الواردات 850 مليون دولار، والآليات المدرعة 178 مليون دولار. وما يمكن قوله خلاصة هو أن السودان قد دخل مرحلة جديدة في تاريخه السياسي، مرحلة تحمل في طياتها قدراً متعاظماً من التحديات، يتجلى بُعدها الأبرز في انفصال الجنوب، لكن ذلك يبقى بعداً واحداً وحسب.