يتوجّه مواطنو جنوب السودان من 9 إلى 15/1/2011 إلى صناديق الاستفتاء للإعراب عن موقفهم المؤيد لانفصال الجنوب عن الشمال، أو لبقائه ضمن الوطن الأم. وبغض النظر عن الأبعاد السياسية والقبلية والعرقية للنزاع، وعن تاريخ الصراعات بين جنوب السودان وشماله، وما رافقها من تدخلات إقليمية ودولية، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو عن ماهية الواقع الاقتصادي «لجمهورية» جنوب السودان في حال قيامها، وما مدى انعكاس ذلك على السلطة المركزية في الخرطوم..؟ وللإجابة عن هذه التساؤلات من المفيد التوضيح أن منطقة جنوب السودان غنية جدًّا بثرواتها الطبيعية، كما أنها واحة واعدة للاستثمار في حال ساد الوئام والسلام، وتوقفت الخلافات والنزاعات. فلقد أثبتت الوقائع أن منطقة جنوب السودان تحتوي على أكبر مخزون يورانيوم في العالم من النوعية العالية النقاوة. وفي جنوب السودان ثروات معدنية كبيرة من الحديد والنحاس والذهب والكروم والمانغنيز والماس. وتحتوي منطقة جنوب السودان على آبار نفطية تختزن نحو 6 مليارات برميل، كما هناك منطقة نفطية تقع في أبيي بين الشمال والجنوب غير مستثمرة بعد. وعلى المستوى الصناعي تنتج منطقة جنوب السودان النسيج والغزل اليدوي، ودباغة جلود الحيوانات، والفخار، والمواد الغذائية. وعلى المستوى الزراعي تمتلك منطقة جنوب السودان 70 ألف كلم مربع من الأراضي الصالحة للزراعة، وغابات تمتد على 23 في المائة من أراضيها؛ ممّا يعني ثروة خشبية كبيرة، ومراعي على امتداد 40 في المائة من أراضيها تزيد عن حاجتها لأعداد المواشي التي تمتلكها، ومسطحات مائية تزيد على ما نسبته 7 في المائة من الأراضي؛ ممّا يعني غناءً كبيرًا بالثروة السمكية. يُضاف إلى ذلك عبور نهر النيل بأراضيها، ولكن لا وجود لمشاريع هامة للاستفادة من ثروته المائية. وفي آخر تقرير أصدرته حكومة جنوب السودان أفاد أن موازنتها للعام 2011 بلغت 4.1 مليار دولار، وأن من الممكن أن تتضاعف هذه الموازنة في حال الانفصال. وإزاء ما تقدم يظهر أن هناك تحديين قد يشكّلان مدخلاً لاستمرار النزاعات بين الجنوب والشمال، وهما مياه النيل، والنفط. فالأول قد يكون نقطة تجاذب كبيرة، فيما لو حصلت تدخلات خارجية ضغطت باتجاه التلاعب بمجرى النيل للتأثير سلبًا على السودان، وعلى مصر. وهذا الاحتمال وارد لطالما كثر الحديث عن توغل إسرائيلي في هذه المنطقة. والخطر الثاني هو أن الثروة النفطية توفر 90 في المائة من عائدات السودان بأكمله من العملات الأجنبية، و45 في المائة من الميزانية العامة حيث تحصل السلطة المركزية على 90 في المائة من العائدات النفطية، وتعطي 10 في المائة لجنوب السودان. وفيما لو أرادت منطقة جنوب السودان التفرد بالعائدات النفطية بعد الانفصال فإن ذلك سيكون مقدمة لحروب مقبلة أكثر شراسة من سابقاتها. وبناء على ما تقدم فهل سيكون انفصال جنوب السودان بداية تشكل مرحلة جديدة من السلام، أو منطلقًا لحروب مقبلة تحت عناوين اقتصادية..؟. *[email protected]