دواء بدون «روشتة» .. هذه واحدة من الاشكاليات التي نراها قائمة في المجتمع .. وأكثر من ذلك لا بد من أن نعترف أن الدواء بدون استشارة الطبيب فيه الكثير من المخاطر.. لكن هناك من - وهم بالمئات - لا يتمكنون لسبب أو لآخر من مراجعة الطبيب، فيتوجهون للصديليات مباشرة لشراء دواء مسكن قد يكون في آخر الليل عندما يداهمهم المرض.. ترى ما هي أبعاد هذه الاشكالية؟! إن ابتياع دواء من الصيدلية التجارية بدون «روشتة» من الطبيب.. أمر عادي.. يحدث في كل لحظة معي، ومعك، ومع الآخرين جميعاً.. ولأن الأمر كذلك، فإنني في كل مرة اقرأ فيها القرار «المكرر» الذي تصدره «على فترات» وزارة الصحة بمنع الصيدليات التجارية من صرف الأدوية إلاّ بموجب «روشتات» صادرة من الأطباء.. أقول في كل مرة اقرأ فيها ذلكم القرار.. ثم أشاهد على الواقع اختراقه جهاراً نهاراً.. لا أملك إلاّ أن أضحك من قلبي (!!).. وذلك لسببين اثنين لا ثالث لهما.. فإما أن يكون القرار الشهير لا يحظى بأدنى متابعة .. أو أنه قرار لا يتفق مع طبائع الأمور وحاجة الناس.. ولذلك فقد رأينا أن القرار يتكرر، ولكن الصيدليات من الناحية الأخرى ومعها الزبائن يكررون اختراقه، بل ويضربون به عرض الحائط !! نحن لا نقول بأن القرار خاطئ.. بل إنه يحمل كثيراً من الصواب.. وأيضا فيه شيء قليل من «عدم الواقعية».. فهو صواب من حيث أن هناك أدوية يمكن لها أن تلحق الضرر بمستخدمها إن لم تكن تحت اشراف وتوصية من الطبيب المختص، وخاصة لمرضى القلب والسكر ونحو ذلك.. بل من يدري فقد تودي بحياته إن كانت جرعاته فوق طاقة المريض، وفي الاتجاه المعاكس لمسار حياته..ولذلك فإن قرار وزارة الصحة من هذه الزاوية، إنما هو قرار صحيح، ووقائي، وآمن.. لكنه من زاوية أخرى فإن هناك من الناس من يرى أنه قد جرَّب التردد على الصيدليات عشرات المرات ولم يلحقه أذى..وذلك لعلاجه، وعلاج أسرته.. فأحد اطفاله مثلاً يشكو من الاستفراغ.. فليذهب إلى الصيدلية ليشتري «الشراب» المعروف لهذا النوع من العارض الصحي.. وذلك ظهرت في خدّه حبّة فهرول يشتري مرهماً.. وهذا يشكو من الانفلونزا وراح يبتاع من الصيدلية مسكّناً .. إلى آخر الأعراض البسيطة التي يمكن أن يتعامل فيها المراجع مع الصيدلية التجارية مباشرة و»تنتهي الحكاية» بدون - حسب وجهة نظر هؤلاء (وجع الدماغ) ومصاريف الكشف (بالشيء الفلاني) عند الطبيب.. ثم «التحاليل» التي «لا أول لها ولا آخر» ثم الانتهاء بروشتة الطبيب التي تضم غالباً من ثلاثة إلى أربعة أنواع من الأدوية التي (تقصم الظهر) ومن الصيدلية «الملحقة» بالمستشفى، حسب توصية «بعض» الأطباء!! وهناك في هذا الصدد من يقدم اقتراحاً بسيطاً يمكن له أن يكون «توفيقياً» بين قرار الوزارة الذي لم تلتزم به الصيدليات ولا الزبائن.. وبين تهافت الناس على الصيدليات التجارية هروباً من تكاليف المرور على المصحات الأهلية.. هذا الاقتراح يتمثل في إلزام الصيدليات بعدم صرف الأدوية إلاّ بروشتة من الطبيب.. فإن لم يحضر الزبون الروشتة (وهذا متوقع) وبكثرة.. فإنه يجب على الصيدليات اصدار «روشتة» موقعة من الصيدلي، ومختومة بختم الصيدلية التجارية.. وهنا ستوقف كثير من الصيدليات عن اجراء كهذا خشية العواقب.. إلا إن كان ما تصرفه هو دواء ليس له آثار جانبية، وبعد تحر وتدقيق مع الزبون الذي يصف للصيدلي كامل حالته الصحية.. ترى ما هو رأي وزارة الصحة في اقتراح كهذا نسمعه يتردد من عدد من الزبائن؟.