استضافت اثنينية الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه , فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله بن سليمان المنيع ، عضو هيئة كبار العلماء، والمستشار بالديوان الملكي , وفي البداية كانت كلمة الشيخ عبد المقصود التي قال فيها : عام جديد قد أقبل، نستهله ضارعين للمولى عز وجل أن يجعل عملنا خالصاً في رضاه.. سعداء أن نمد القلوب قبل الأيدي مرحبين بفضيلة الشيخ الدكتور عبدالله بن المنيع، عضو هيئة كبار العلماء، والمستشار بالديوان الملكي، ضيفاً عزيزاً نسعد بتكريمه في هذه الأمسية، وفضيلته غني عن التعريف، فقد بدأ حياته العملية تربوياً ولم يزل، وإن اختلفت مقاعد الدرس، فهو تربوي بطبيعته وتكوينه والزاد الفكري الذي يمور بين جنبيه، وهو من جيل الشباب الذين زاحموا العلماء بالركب فنهل من معين مشايخه الأفاضل: محمد بن إبراهيم، ومحمد الأمين الشنقيطي، وعبد الرزاق عفيفي، وعبد الله بن حميد، وعبد العزيز بن باز، وعبد العزيز بن رشيد.. كما أن عمله في سلك القضاء منحه ميزات التفكر، والتدبر، والحلم، والأناة.. وتوج كل ذلك بتوجه كريم، نحو الانفتاح على الآخر، مما جعل معاليه كتاباً مقروءاً لكل مستزيد من العلم الشرعي.. فظل قريباً من نبض المواطنين في كثير من همومهم وقضاياهم المباشرة، الأمر الذي أكسبه محبة شطر كبير من المهتمين بهذا الشأن، كما نظر إليه آخرون بدرجات متفاوتة من عدم الرضا. وقال خوجة : ضيفنا الكبير ممن نختلف أو نتفق معهم، لكننا لا نملك إلا أن نحترمهم ونوقرهم.. ومن هذا المنطلق خاض حوارات بناءة تناولت قضايا مهمة.. وحوارات يرفضها البعض ولا يوافق عليها. ولمعالي الضيف الكريم آراء منفتحة حول "الأهلة" واعتماد المراصد لتحديد بدء الشهور القمرية بما يخدم مصالح المسلمين بالنسبة للصوم، والحج، وغيرها من المصالح المرسلة.. وهي من القضايا الخلافية التي أخذت مساحة لا يستهان بها، وتستحق المزيد من العناية والحوار عبر مختلف وسائل الإعلام، وقد أيد فضيلته هذا التوجه العصري لما توخاه من فائدة تعم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.. وإن خالفه كثيرون ممن لا يقرونه على ما ذهب إليه.واضاف : ومما لا شك فيه أن للفتوى قداستها ومكانتها المميزة في المجتمع، وقد أحسن ولي الأمر إذ جعلها مناطة بهيئة كبار العلماء فقط.. غير أنه يحز في النفس أن بعض طالبي الفتوى هداهم الله يسألون عن أشياء لا تعني معظم شرائح المجتمع، بل تقتصر على حالات شخصية خاصة، الأمر الذي ينفي تعدي فائدتها، متمنياً على أصحاب الفضيلة العلماء صرف النظر عن مثل هذه المسائل الشخصية، والتركيز على ما تعم فائدته، ويعود بالخير على الأمة. وأحسب أن من آراء ضيفنا التي ارتاع لها جانب من المجتمع ما يتعلق بمساندته نزع الأجهزة الطبية المعينة على الحياة عمن تم تشخيص حالاتهم بالموت الدماغي.. ولكل عذره فيما ذهب إليه، وليس هنا مكان تفاضل أو تداول بهذا الشأن، ولكن تكفي الإشارة إلى استجابة ضيفنا الكريم للخوض في شائك المسائل الطبية، والاجتماعية، والثقافية، وغيرها، بثقة وعلم ودراية، وربما يعيد النظر فيما أفتى به ولو بعد حين ليقر بما أنكره أو يبدل ما أثبته، فالعالم الحقيقي كيان حي يموج مع حركة الحياة، ولا يعاند مسيرتها، طالما أنها لا تخالف منهج الشريعة وما جاء بالكتاب والسنة. وبطبيعة الحال فإن هناك الكثير من الفتاوى التي تناولها شيخنا الكبير تناولت معظم ما يهم المسلمين في أرجاء العالم الإسلامي، وهي جهود مشكورة، وعلامات هداية، نرجو المولى عز وجل أن يجعلها في ميزان حسناته، وينفع بها المسلمين.وبالرغم من شواغل ضيفنا الكريم، إلا أنها لم تحجبه عن التأليف، وإطلالته عبر وسائل الإعلام، ويعلم جمعكم الكريم أن "الاثنينية" تسير وفق خمسة مبادئ هي: النأي عن السياسة، والدين، والعنصرية، والمذهبية، وتصفية الحسابات، وعليه فتأكيداً لهذا فهي تطرح كل ما تعتقد أنه حق متاح للاطلاع عليه، ولا يعني ذلك التمسك به أو شجبه، فقد نتفق معه أو نختلف كلياً أو جزئياً. لقد انقضى عام حزن رزئنا فيه بفقد أعزاء انتقلوا إلى الرفيق الأعلى.. فقد ودعنا الأستاذ الدكتور محمد عابد الجابري يوم تكريمه الذي كان مقرراً بتاريخ 19/05/1431ه الموافق 03/05/2010م، إلا أن الأجل كان أسبق، والأستاذ أحمد سالم باعطب الذي كرمته الاثنينية بتاريخ 19/04/1409ه الموافق 28/11/1988م، والأستاذ راضي صدوق الذي تم تكريمه بتاريخ 23/06/1417ه الموافق 04/11/1996م، والأستاذ عبدالله رجب وهو من أوائل رواد هذا المنتدى، والأستاذ محمود السعدني وقد تم تكريمه بتاريخ 24/05/1406ه الموافق 03/02/1986م، والدكتور حسين علي محمد تم تكريمه بتاريخ 23/07/1420ه الموافق 01/11/1999م، والأستاذ أحمد محمد السقاف وقد تم تكريمه بتاريخ 29/01/1422ه الموافق 23/04/2001م، ثم فضيلة الشيخ هاشم بن سعيد النعمي وقد تم تكريمه بتاريخ 08/11/1417ه الموافق 17/03/1997م، ثم معالي الدكتور غازي القصيبي، فمعالي الدكتور محمد عبده يماني الذي تم تكريمه بتاريخ 15/04/1410ه الموافق 13/11/1989م ثم الاحتفاء بكتابه "أبوهريرة الصحابي الجليل والحقيقة الكاملة" بتاريخ 22/06/1419ه الموافق 12/10/1998م، رحمهم الله رحمة الأبرار، وختم خوجة : اننا سعداء أن نلتقي الأسبوع القادم لتكريم الإعلامي المعروف الأستاذ داود الشريان، الكاتب الصحفي وصاحب برنامج "واجه الصحافة" بقناة العربية الفضائية.. متطلعاً أن نلتف حوله لنفيد ونستفيد من تجربته الإعلامية المميزة، ونتحاور معه في واحة من واحات الثقافة، والفكر، والشفافية. مداخلة قينان وفي كلمته قال الأستاذ قينان الغامدي إنه يحترم فكر الشيخ ويقدره وإن اختلفت معه في بعضه، فإنه اختلاف التلميذ مع أستاذه والابن مع أبيه، فأقرر أن الشيخ بن منيع واحد من الرواد في فنه، الذين على الرغم من كون المجتمع بناهم كما يشاء إلا أن تأملهم وبصيرتهم ووعيهم حولهم إلى رواد وقادة ومفكرين، يؤثرون في مجتمعهم ويحاولون توعيته بما يرونه الأفضل. ولكي أقدم نموذجاً لنجاحات الشيخ وثمار إصراره، وقوة شخصيته وحجته سواء اتفقنا معه أو اختلفنا، فلا بد أن أقرر أنني حتى هذه اللحظة لم استوعب الفرق بين ما يسمى الاقتصاد الإسلامي، وبين الاقتصاد العام، أو بصورة أدق بين المعاملات الإسلامية في البنوك، والمعاملات العادية التي يعتبرها البعض ربوية، باستثناء معرفتي لزيادة نسبة الفائدة في المعاملات الإسلامية التي تأتي تحت مسميات مختلفة – مسميات لا أكثر – أقول ذلك من تجربة شخصية طويلة مع البنوك المحلية، حيث أني ممن بنوا حياتهم على القروض التي مكنتني من الوصول إلى التحقق بدقة من هذا الفرق الذي ذكرته في الفائدة.وبالرغم من هذا فيحمد للشيخ المنيع أنه أول من طرح فكرة التعاملات الإسلامية في البنوك السعودية، ودافع عنها حتى تكونت هيئات شرعية في البنوك، فتحول أحد البنوك بالكامل إلى هذا النوع من الصيرفة وتحولت كثير من نشاطات وفروع بنوك أخرى إليها. حيث لم يأبه الشيخ بالمعترضين ولا بالمختلفين. مداخلة د . العارف سأل الدكتور يوسف عارف فضيلة الشيخ المنيع يتعلق بكتابه " حوار مع المالكي" جاء فيه "هل كان للشيخ أن يكتب هذا الكتاب في هذه الأيام التي تتميز بالشفافية والانفتاح على الآخر، وهل يمكن أن يعيد طباعة هذا الكتاب بحيث يتماشى مع هذا العصر؟ وكان جواب الضيف قاطعاً في أن القضايا التي تتعلق بالعقائد لايمكن أن تتغير بمرور الزمن، فديننا الحنيف مبني على أصول وثوابت وهو صالح لكل زمان ومكان، ومهما بلغنا من التقى، فلا يمكننا أن نصل إلى مرتبة الرسول الكريم أو آله وأصحابه، كما أن التاريخ لا ينقل لنا أي مظهر من مظاهر الموالد أو ما يتعلق منها. مداخلة د. قاسم وكان الأستاذ عبد العزيز القاسم، قد طرح سؤالاً يتعلق بانقلاب المشهد المصرفي على أيدي جماعة من العلماء وعلى رأسهم فضيلة الشيخ الذي بات المرجع الشرعي لأهل المال، والمرجع المالي لأهل الشرع الذي يقود مدرسة التيسير وسط معارضة شديدة من علماء مدرسة العزائم الذين يلوحون بفتاوى محمد شحرور وجمال البنا وحسن الترابي، والخشية من أن ينتهي فقهاء التيسير في المشهد الشرعي المحلي إلى ذات الآراء الفقهية لأولئك. وتمثلت الإجابة في أنه لا يجب أن يكون التيسير على سبيل الإنطلاق الكامل. فقد كان الرسول صلوات الله عليه يختار أيسر الأمور. والتيسير جائز شريطة ألا يتجاوز إجماع الأمة، وألا يتعارض مع أي نص أو قياس أو إجماع، والأصل في المعاملات الإباحة. الحوار والمداخلات و طرحت إحدى السيدات سؤالاً يتعلق بإشكالية تعدد مصادر الفتاوى فيما يتعلق بالمصرفية الإسلامية، وعن وجود مرجع موثوق يمكن الركون إليه.. فقال فضيلة الشيخ بأن ثمة تكافلا بين المصرفية الإسلامية والمجامع العلمية، فهناك المجمع الفقهي التابع لمنظمة الدول الإسلامية الذي صدر عنه مجموعة قرارات، وهناك هيئة المراجعة والمحاسبة الإسلامية في البحرين انبثق عنها المجلس الشرعي. وسأل خالد المحاميد من الوطن عن حصر الفتاوى بهيئة كبار العلماء، وقال ألا يمكن أن يكون هناك من هم أكثر علماً ومعرفة من الهيئة، وهل يعني التطور في الفقه الإسلامي، أن هذا الفقه خضع لاعتبارات سياسية؟ تشعبت إجابة الضيف قائلاً: إن الرجال يعرفون بالحق ولا يعرف الحق بالرجال، و رفض مقولة أن الحق والعلم مقصوران على هيئة كبار العلماء، مقراً بأن البعض ربما كان أكثر معرفة من الهيئة في الإفتاء، والمسألة لاتعدو عن كونها إجرائية. وأما الفقه فلا يخضع للاعتبارات والتغيرات السياسية، بل هناك ما يسمى بالسياسة الشرعية المبنية على مجموعة من القواعد التي تحصن العلم الشرعي، وأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح وأما الابتعاد عن الفتنة و أمن المجتمع والمواطن فيقبعان في المرتبة الأولى. وما كان معلوماً في الدين لا يمكن أن يخضع للسياسة أما ماكان محل اجتهاد فيمكن المناورة به لمصلحة المجتمع. العيوب الخلقية سئل فضيلته عن حكم تسمية الأطباء للعاهات التي تولد مع الإنسان بالعيوب الخلقية؟، أليس في ذلك سوء أدب مع الخالق سبحانه وتعالى؟حيث نسبوا ذلك الخطأ في الصنع إلى الصانع؟. أجاب فضيلته: في الواقع، نفس هذا القول أورد قصة تتعلق بهذا الموضوع، كنا في مؤتمر بالكويت عن الهندسة الوراثية، وما يتعلق بالجينات واختلافها، وما ينتج عنه من خلل أو مرض بالجسم، وكنا في هذا المؤتمر قد طلب منا زيارة الشيخ جابر أمير الكويت رحمه الله، وفي مجلسه طلب من كل واحد منا أن يتحدث دقيقة عن بلاده، أو عن نفسه، أو عن أي شيء، فتكلم أحد الأطباء، فقال: يا سمو الأمير نحن وجدنا أن في جسم الإنسان أربعة آلاف خطأ في تكوينه، وبينما أنا أستمتع لهذا الكلام الذي كان بمثابة الصاعقة على رأسي، فما كان مني إلا أن استأذنت من سمو الأمير أن أقول تعليقا حول كلام الدكتور، فقلت: إن أخي الدكتور تكلم بأن في جسم الإنسان أربعة آلاف عيب خلقي، وهذا في الواقع يعتبر سوء أدب مع رب العالمين، فالله سبحانه وتعالى ما أراد شيئا إلا لحكمة، ووراءها سر، ولا يمكن أن يتصور، فهو الحكيم الخبير اللطيف، فقلت للأمير إننا لنتألم من هذا التعبير الذي فيه قمة من سوء الأدب مع رب العالمين، فحينما ننظر إلى مجموعة من عباد الله، فهذا معيب وذاك صحيح، فهذا العيب الذي يكون فيه عبارة عن إعاقة، هل هذا يعني أن الله سبحانه وتعالى أراد ظلم هذا؟ أو أخطأ في تكوين هذا؟، حاشا وكلا، بل هو سبحانه جميع ما أراده لابد وأن يكون لحكمة أرادها، علمها من علمها، وجهلها من جهلها، فمن كان معاقا يعتبر صورة للسالمين ليتذكروا نعمة ربهم عليهم، وفي نفس الوقت هذا المعاق له من الأجر في الصبر والرضا بقضاء الله الشيء الكثير.