تغير التاريخ وخارطة العالم وغاب فرانكو وتفكك الاتحاد السوفياتي...انتهت الحرب الباردة وتبدل الوجه الاستعماري فتحول من الدافع العقائدي العسكري الى الحافز الاقتصادي الذي تشجعه الشركات عوضا عن الجنرلات وتوحدت المانيا وتخلصت من وطأة العقوبات الاقتصادية لكن لم يتغير شعور التتويج والفوز واستعادة المجد عبر كرة القدم.هذا ما شعر به الاسبان في ليل 29 يونيو 2008 عندما عانقوا المجد مجددا بعد غياب 44 عاما اثر فوزهم بلقب كأس اوروبا لكرة القدم للمرة الثانية في تاريخهم اثر تغلبهم على نظرائهم الالمان 1-صفر في المباراة النهائية للنسخة الثالثة عشرة التي استضافتها النمسا وسويسرا.من لويس سواريز وخيسوس ماريا بيرادا ومارسيلينو مارتينيز الى فرناندو توريس ودافيد فيا وتشابي هرنانديز، 44 عاما فصلت بين جيل "سانتياغو برنابيو 1964" و"ارنست هابل 2008"، لكن شعور الفوز والتتويج بقي هو نفسه الذي راود سواريز وزملاؤه عندما تغلبوا على الاتحاد السوفياتي 2-1 في نهائي 1964 الذي احتضنه ملعب العاصمة مدريد، وتوريس ورفاقه في نهائي 2008 في العاصمة النمسوية فيينا.سواريز تذكر ملعب "سانتياغو برنابيو" الذي احتضن في نهائي 1964 اكثر من 80 الف متفرج وقوفا لان المقاعد لم تكن موجودة في ملعب العاصمة حتى عام 1982 (عندما استضافت اسبانيا كأس العالم)، وهو يقول "كنا منتخبا جيدا لكن لم نكن افضل ما عرفته الكرة الاسبانية. لعبنا بطريقة جيدة كفريق، اللاعبون كانوا متفاهمين وكانوا يكملون بعضهم البعض لانهم اتوا حينها من عدد قليل من الفرق. ثم كان هناك لاعب وحيد يملك الكثير من الخبرة الدولية...هو انا".وكان سواريز الذي يبلغ حاليا 75 عاما، قاد فريقه انتر ميلان الايطالي للفوز بلقب كأس الاندية الاوروبية البطلة في لعامين على التوالي قبل ان يقود بلاده للقب كأس اوروبا بنسختها الثانية وذلك بعدما حصل المنتخب على موافقة الجنرال فرانكو من اجل مواجهة الاتحاد السوفياتي بعدما كان اعترض على هذه المواجهة في النسخة الاولى عام 1960 والتي توج بلقبها الاتحاد السوفياتي على حساب يوغوسلافيا 2-1.ويتذكر سواريز اجواء "سانتياغو برنابيو" قائلا "الذكرى الابرز التي لا تزال في ذهني هي اجواء الملعب لان برنابيو كان ممتلئا تماما. كان يتسع حينها اكثر من الان لانهم لم يضعوا المقاعد قبل كأس العالم (1982). كنا عانينا الامرين خلال مباراة نصف النهائي امام المجر وكان الجمهور خلفنا منذ البداية. اعطانا شعورا هائلا بالامان وابقانا هادئين. هذه الاجواء المميزة في ارض الملعب وفي المدرجات هي الذكرى الابرز من ذلك النهائي الى جانب الاداء الجيد الذي قدمه منتخبنا لانه في تلك الايام كان الروس منتخبا قويا جدا". بعد 44 عاما على معانقة الكأس لاول مرة لم يختلف مشهد العاصمة مدريد في 29 يونيو 2008 عما كان عليه في 1964 اذ عمت الفرحة جميع الساحات وكافة المدن الاسبانية، وتعالت الاصوات مباشرة بعد نهاية المباراة مرددة "ابطال! ابطال!"، وتم الاحتفال باطلاق الالعاب النارية، فيما اطلقت السيارات العنان لابواقها في مختلف انحاء البلاد وجاداتها وكذلك عمت الاحتفالات في الحانات حيث تجمع الاف من الاسبان لمتابعة المباراة على شاشات عملاقة.وانطلق الالاف من المشجعين حاملين الاعلام الاسبانية وفانيلات المنتخب الاسباني الحمراء والذهبية نحو وسط العاصمة مدريد حيث تجمع المشجعون في ساحة كولون للتوجه الى الساحة الشهيرة التي يحتفل فيها ريال مدريد بالقابه.اما في العاصمة النمسوية فيينا فكان "احفاد" سواريز في منتخب "لا روخا" يرددون صدى 1964، فدافيد فيا حرم من المشاركة في النهائي بسبب الاصابة لكن زملاءه قاموا بالواجب على اكمل وجه وحرصوا ان لا تذهب الاهداف الاربعة التي سجلها مهاجم فالنسيا في هذه البطولة، هدرا فاهدوه اللقب."لقد فزنا لاننا كنا الفريق الافضل في كل مناسبة" هذا ما قاله فيا بعد المباراة، مضيفا "قدمنا بطولة رائعة وكنا الفريق الافضل بفارق كبير (عن المنافسين) في كل مباراة لعبناها. لم نحقق اي فوز بالحظ". واشاد فيا بمدرب المنتخب حينها لويس اراغونيس الذي كان يخوض مباراته الاخيرة لانه ترك بعدها منصبه، مضيفا "انه الرجل خلف هذا النجاح. اذا كنتم تتذكروا ما حصل منذ حوالي عامين عندما اختبرنا ليلة صعبة للغاية في بلفاست عندما خسرنا امام ايرلندا الشمالية (2-3 في التصفيات). فهو يستحق بان يكون له الفضل لانه بقي مع الفريق. هو اكثر من اي شخص اخر مسؤول عن هذا الانتصار. لكن هذه الكأس هي للجميع، لكل من لعب الليلة (النهائي) ولجميع اعضاء المنتخب ايضا. نحن سعداء بان نكون جزءا من هذه المغامرة لقد جعلنا البلاد فخورة بنا".واصبح اراغونيس (69 عاما و338 يوما حينها) اكبر مدرب يتوج بلقب كأس اوروبا، متقوفا على المدرب الالماني اوتو ريهاغل الذي قاد اليونان الى لقب كأس اوروبا عام 2004 وهو في السادسة والخمسين من عمره.وهو ترك بالتالي منصبه بافضل طريقة ممكنة وكان المدرب العجوز استلم مهامه مع المنتخب في 2004 وهو سبق ان اعلن عن رغبته في ترك منصبه اثر خسارة اسبانيا امام فرنسا 1-3 في الدور الثاني لمونديال المانيا 2006.وكانت مهمة المدرب الجديد فيسنتي دل بوسكي قيادة المنتخب الى نهائيات مونديال جنوب افريقيا 2010 حيث لعبت اسبانيا في التصفيات ضمن المجموعة الخامسة الى جانب تركيا وبلجيكا والبوسنة وارمينيا واستونيا، ونجحت في تصدر المجموعة بفوزها في جميع مبارياتها. ونجح دل بوسكي في الارتقاء الى مستوى المسؤولية التي القيت على عاتقه بعد خلافة اراغونيس ونجح في قيادة "لا فوريا روخا" لمواصلة عروضه الرائعة ومسلسل نتائجه المميزة، ولم يلق ابطال اوروبا طعم الهزيمة بقيادته سوى مرتين فقط، الاولى على يد الولاياتالمتحدة في نصف نهائي كأس القارات العام الماضي (صفر-2)، والثانية في مستهل مشوار المونديال امام سويسرا (صفر-1).