بأطباق الحلوى خرج آلاف الباكستانيين إلى الشوارع يرقصون على دقات الطبول، ويطلقون الأعيرة النارية في الهواء، ويرددون الهتافات؛ احتفالا بإعلان الرئيس برويز مشرف استقالته، منهية نحو تسعة أعوام من الحكم، الذي وصل إليه بانقلاب عام .1999 وقال بيلاوال آصف زرداي رئيس حزب الشعب - أكبر أحزاب الائتلاف الحاكم المناهض لمشرف - إن الرئيس المقبل سيكون من الحزب، الذي كانت تقوده والدته الراحلة بينظير بوتو . وغير آبهين بهوية الرئيس المقبل، أدى الباكستانيون صلوات شكر على استقالة مشرف في معاقل أشرس خصومه، وعلى رأسها إقليم السند، موطن بينظير بوتو، التي اغتيلت يوم - 12 - 27 2007، وحمّل أنصارها مشرف مسئولية عملية الاغتيال . كأنه يوم زفافي الأفراح عمت أيضا إقليم البنجاب، معقل نواز شريف زعيم حزب الرابطة الإسلامية / جناح شريف ( الشريك في الائتلاف الحاكم ) ، ورئيس الوزراء السابق، الذي أطاح به مشرف عام .1999 وما إن سمعوا خبر الاستقالة حتى خرج المحامون، الذين قادوا حملة شرسة ضد مشرف منذ أن عزل العام الماضي عددا من القضاة، وعلى رأسهم رئيس المحكمة العليا إفتخار شودري، مرددين هتافات من بينها : " يسقط عميل الولاياتالمتحدة " .وفي المناطق القبلية شمال غربي باكستان على الحدود مع أفغانستان، أطلق البعض أعيرة نارية في الهواء؛ تعبيرا عن فرحتهم برحيل مشرف، أحد أبرز حلفاء الولاياتالمتحدة في حربها على " الإرهاب " .وسقط في هذه المناطق على مدار أربع سنوات آلاف القتلى في عمليات عسكرية شنتها القوات الحكومية لملاحقة عناصر حركة طالبان المتشددة وتنظيم القاعدة الارهابي .ويرى مراقبون أن مشرف أعلن الاستقالة كخطوة استباقية للنجاة من التعرض للمساءلة أمام البرلمان كما توعده الائتلاف الحاكم بغية عزله .وشهدت شعبية مشرف تراجعا حادا العام الماضي، عندما أعلن فرض حالة الطوارئ، وأقال عددا من القضاة .وزاد الغضب ضده مع وقوع موجة تفجيرات أودت إحداها بحياة أزيد من ألف شخص، بينهم رئيسة الوزراء السابقة بينظير بوتو؛ مما تسبب في هزيمة أنصاره في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أجريت في فبراير الماضي .وبتعبير الكاتب الباكستاني شاكيل ميمون استقالة مشرف كانت عن قناعة منه بأنها في صالح باكستان، " لقد اضطر لتقديمها لأنه لم يكن أمامه من خيار آخر " .ووسط توقعات بأن يطلب مشرف اللجوء السياسي لدولة أجنبية، أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس أن مسألة منح أو عدم منح اللجوء السياسي لمشرف أمر غير مطروح، وهو ما وصفه مراقبون بأنه بمثابة التخلي عن أقرب حلفاء واشنطن منذ هجمات سبتمبر .2001 انتظار " الوفاء " ومع رحيل مشرف تبرز تحديات ستفرض ضغوطا على الائتلاف الحاكم، بقيادة حزب الشعب، من أجل الوفاء بوعوده، ومن بينها إقامة ديمقراطية مدنية، وإعادة القضاة المعزولين . وعن هذا يقول المحامي نعيم قريشي : " الآن يتحمل الائتلاف الحاكم مسئولية ضخمة لتنفيذ الإصلاحات الموعودة، وعلى رأسها إعادة القضاة المعزولين " ، مشددا على أن " القضاء المستقل أحد أسس الحياة الديمقراطية " .لكن الأولوية مختلفة بالنسبة لطاهر حسين، وهو سائق تاكسي؛ حيث يرى ضرورة تخفيض الأسعار : " أنا لا أدعم مشرف ولا الحكومة، فقط أريد حلولا لمشاكلنا ..ارتفاع الأسعار ألقى بغالبية الباكستانيين في البؤس، ولا أحد من السياسيين المتصارعين كان لديه الوقت ليفكر فينا " . ويوجه حسين حديثه للحكومة : " يجب عليها أن تتعلم الدرس من رحيل مشرف؛ فلا أحد باق إلى الأبد إلا الله، وعليهم أن ينتبهوا إلى أنهم إذا لم يهتموا بالفقراء، وهم الأغلبية، فسيواجهون نفس مصير مشرف " .