جمع نادي الأحساء الأدبي مؤخرا اثنين من أساتذة الأدب العربي حول مائدة نقاش تناولت القصيدة النثرية وإشكالاتها وقدم المحاضرة الاستاذ خالد الفارسي المحاضر بكلية الشريعة نبذة يسيرة عن ضيفيه دكتور وليد قصاب عضو إتحاد الكتاب العرب وعضو رابطة الحداثة في الشعر العربي المعاصر والأستاذ الدكتور عبدالباسط بدر نائب رئيس الرابطة شكر الدكتور وليد قصاب إدارة النادي على هذه الاستضافة وخص في حديثه إشكالين من إشكالات القصيدة النثرية هما المصطلح والنشأة. عدَد د. القصاب خمسين تعريفا تمّ إطلاقها على الشعر، مبينا أن العرب قد ميزوا الشعر عن غيره من الفنون بأنه كلام موزون فإذا لم يكن كذلك فهو عندهم من ضروب النثر. ثم أشار إلى أن القصيدة النثرية مألوفة في تراثنا العربي من أيام الجاهلية ولم يسمها أحد شعرا، وإنما هذا الاسم وليد "مجلة شعر" على يد الفرنسية سوزان برنار وأدونيس وأنس الحاج، هذا من ناحية المنشأ أما عن المصطلح فعده القصاب بالفاسد لقيامه على الجمع بين نقيضين، مضيفا أن الغربيين أيضا يجمعون على هذا، فإليوت يقول: إن تسمية الشعر الحر خطأ فالحرية ليست هروبا من الوزن الشعري بل هي السيطرة عليه وإتقانه، ويقول فروست سأرضى بكتابة الشعر الحر إذا رضينا أن نلعب التنس بدون شبكة!! والتخيل وحده لا يميز الشعر عن النثر، وهذا ما كان يلمح إليه الفارابي من قبل ويقول أدونيس وهو أحد مؤسسي هذا اللون إنه ليس ضد الوزن، وليس في الغرب شاعر واحد يرفض الوزن أو ينكره !! واعتبر د. القصاب تسمية هذا اللون بالشعر نسفا لمفاهيم العرب عن الشعر واستشهد القصاب بقول الكاتب الكبير محمد الماغوط الذي يطلق على نفسه بكاتب قطع نثرية وأنه سمي شاعرا رغما عن إرادته وقال عن نصوصه فليسمها النقاد ما يشاؤون ولن أغضب إذا قيل إني لست شاعرا وساق الدكتور القصاب في ثنايا المحاضرة الأسماء التي أُطلقت على هذا اللون كالنثيرة والقصيدة الخنثى الاسم الذي أطلقه د. عز الدين المناصرة وأطلق غيره اسم "الجنس الثالث" وفضل د. القصاب استعمال اسم النثيرة عن الأسماء التي تعتبر هجوما وقال إن المسألة لم تحسم رغم شيوع المصطلح لأن فيها انتهاكا لحرمة الشعر العربي وللشعر بشكل عام وعدَ ارتباط قصيدة النثر بطابع أيدولوجي معاد للإسلام فقد لاحظ عدد من الدارسين أنها لم تقدم على أنها قضية فنية بل إنها جاءت في إطار انقطاع معرفي عن التراث العربي والاسلامي المختلف ورغبة في رميه من النافذة! وأشار الدكتور القصاب إلى كلام خطير لأنس الحاج يدعو فيه الى: الهدم الهدم الهدم، هدم السجن التراثي على من فيه وأورد رؤية حليم بركات لسبب نشأة هذا اللون أنها رفْض لحضارة الصحراء بكل ما فيها وقال إن هذه القصيدة متأثرة بلغة الكتاب المقدس والإنجيل بخاصة. ويشير موريه إلى دور اليهود في تطوير الشعر المنثور في العراق وأكد القصاب أن نازك الملائكة كانت من أشد المهاجمين للقصيدة النثرية لعجز أصحابها وإحساسهم بالدونية وعدم القدرة على قرض الشعر وهي ظاهرة مرضية تبناها قوم لا يجيدون نظم الشعر ويحتقرون النثر لكن هذا الحكم لا ينطبق على الرواد كأدوسين وأنس الحاج فهم متمكنون وقادرون لولا أنهم أرادوا تسفيه كل ما هو موروث عربي والثورة ضده. وذلك ما أكده القصاب برأي د. عبدالعزيز موافي في أن أدلجة قصيدة النثر قد يكون صحيحا عند الجيل الأول، أما ما هو متواجد حاليا فليس صحيحا!! وختم د. القصاب كلامه بإعلانه رفض توحد الأجناس الأدبية ورده على حجة أنصار القصيدة النثرية بأنه حجة عليهم لا لهم!! وتكلم أ. د / عبدالباسط بدر وشكر النادي بدوره هو أيضا وقال إنه سيدخل إلى قصيدة النثر من داخلها ويحسب الربح والخسارة فيها مستعينا بتوجيه الآية الكريمة "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا" ثم تساءل عن الربح والخسارة هل قصيدة النثر يمكن أن تكون إضافة فتثرينا أم هي خسارة فقط؟ فردّ أنهم تخلوا عن جانب الإيقاع وبحثوا عن البدائل في النظم او البنية أو المادة التي أخذوها من الأجناس الأدبية الأخرى كالحوار والموسيقى الداخلية وأن ذلك يستجيب لخطرات النفس المعاصرة، ثم أشار د. عبدالباسط أن أنصارها يركزون على عناصر الصورة والرمز ويقولون إن قصيدة النثر ظاهرة كتابية. وعرض د. عبدالباسط لهذه الحجج مبينا ما لها وما عليها بادئا بالإيقاع الداخلي مستشفا التحليل الصوتي الرائع من الآية القرآنية "والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه" وتحدث عن سينية البحتري وما تلقي من صور تثير انقياد النفس إليها واستشهد ايضا بالمقامات التي حوت أيضا أشياء عجيبة في محاولة منه لاستذكار بعض أمجاد تراثنا الأصيل واستشهد من شعر أدونيس قائلا إنه إنما يستشهد من شعر الرواد فقط كي لا يتهم، وقال د. عبدالباسط إن قصيدة النثر نشأت كخضراء الدمن، ثم لوح بالمثل المعروف "من يأتيك على ظهر دبابة يظل مأجورا ومبغَضًا وإن حررك". وانتهى د. عبدالباسط: هذه القصيدة النثرية والتي أُثيرت حولها هذه الضجة وهذا الاختلاف إن كان لها عطاء أدبي فمرحبا بها، مذكرا المعارضة التي لقيها الموشح وشعر التفعيلة وهما الآن مقبولان وينظر إليهما بعين الرضا. واصل حديثه: إننا لا نقبل المنهج الاقصائي. مرحبا بالفنون الجديدة شريطة ألا تكون بديلا عن التراث، مضيفا أن القوالب ليست ملكا لأحد فإذا أحسن الإبداع على مر الزمن فهي مقبولة وضرب المثل في ختام حديثه بشعر السياب وعبدالرحمن العشماوي لما فيهما من الايقاع والصورة الشيء الرائع والمثير. وافتتح د. نبيل المحيش باب المداخلات بسؤاله للدكتور عبدالباسط بدر: من الذي يحق له اقتراح أجناس أدبية جديدة المبدعون أنفسهم أم النقاد الكبار؟ وسأل القصاب عن ارتباط نشأة هذا اللون بأجهزة الاستخبارات الغربية فما حقيقة ذلك؟ وتبعه أ. د / ظافر الشهري بتساؤل: ما هو الشعر؟ ويجيب نفسه إن الشعر شعور ووجدان ومعنى وإلا فهو ثرثرة مستشهدا بشعر أبي فراس الحمداني في السحاب. وشارك د. بسيم عبدالعظيم بورقة مستقلة تبعته مداخلات من الحضور ومن الجانب النسائي أيضا.