قالوا عنه إنه طاعون العصر، ونعته بعضهم بقاتل العائلات، واسماه بعضهم حاصد الأرواح، ويطيب لي أن أصفه بإعاقة القرنين نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين، فهو بالحقيقة طاعون عصرنا، ويستحق من الألقاب ما هو أكثر من هذا، إنه "الإيدز "، أو مرض نقص المناعة المكتسب، ذلك الداء العضال الذي ينجم عن فيروس يدعى بفيروس نقص المناعة البشرية،وهذا الفيروس يعتبر من المخلوقات الضعيفة، حيث إن المنظفات البسيطة تقضي عليه، ولذلك فإن انتقاله يحتاج لتماس صميمي وشديد كما يحصل عبر التماس الدموي أو الاتصال الجنسي، ويؤدي عند استيطانه الجسم لمرض منهك للمناعة، حيث لا يحلو له إلا نوع من كريات الدم اللمفاوية التي خلقها الله تعالى لحماية جسمنا، ومن هنا اكتسب المرض اسمه المعروف. هذا الداء يعتبر من المشاكل الصحية الكبرى في عصرنا الحاضر، وربما سيبقى كذلك لفترة نرجو الله ألا تطول، لقد كانت بداية القصة معه عام (1981) حيث عرفته البشرية لأول مرة كضيف غير مرحب به، وسجلت إصابة أول طفل عام (1983) وبدأ ينتشر كالنار في الهشيم والآن هو يرتع في كل أنحاء العالم، ولكن بنسب مختلفة، لقد أصبحت حالاته تعد بالملايين، وربما عشراتها، بينما الذين يحملون الفيروس يعدون بأضعاف ذلك من دون أن تظهر عليهم علامات المرض، وللأسف فإنه في بعض بقاع القارة الأفريقية قد أصبح ربع النساء الحوامل وعشر أطفال المشافي هناك يحملون فيروس الإيدز كما في منطقة البحيرات الكبرى هناك، في الولاياتالمتحدة هناك عشرات الألوف من الأطفال المصابين، والذين يموتون، أو في طريقهم للموت، ويشكلون حوالي (1,5%) من حالات الإيدز هناك، والحالات عند الولدان الجدد تزداد بشكل خطير هذه الأيام،حيث يولد في كل سنة (7000) وليد لأمهات مخموجات بالمرض، ومن هؤلاء سيصاب (2000) طفل، والطامة الكبرى أن معظم أولئك الأمهات لا يعلمن أنهن مصابات، في الحقيقة إن (75%) من الأطفال المصابين قد انتقل إليهم المرض من أمهاتهم، لأن الأم الحاملة للفيروس تؤدي لاحتمال إصابة ابنها بنسبة تتراوح من (20-30%)، وتتضاعف نسبة إصابة الحمل الثاني، وعندما نتكلم عن المصابات لا ننسى أن نذكر أن لديهن غالبا مشاكل أخرى مثل نقص العناية الصحية، والثقافة المحدودة، وفقر الدم، وتعاطي الكحول والسجائر والمخدرات،وانتشار الأمراض المنتقلة بطريق الجنس كالزهري (السفلس) والسيلان البني، وكذلك التهاب الكبد، وكلها مشاكل تفاقم من معاناة الوليد. ينتقل الإيدز عبر سوائل البدن كالدم، سواء مباشرة، أو عبر نقل الدم أو أحد مشتقاته أو بواسطة المني وحليب الأم، وهناك خطر قليل لانتقاله بالدموع أو بالعض،كما قد يوجد الفيروس في البول،وقد ينتقل بإعطاء أدوية أو مخدرات بحقن ملوثة داخل الوريد. الفيروس بليد وخطير، فلا يغرنك مكوثه في البدن بعد دخوله لفترة طويلة قد تصل لأشهر أو سنين قبل ظهور دلائل المرض، وفترة الصمت هذه قد تكون أقصر عموما عند الأطفال منها عند الكبار، وبعد صمته المريب يبدأ الفيروس رحلة الأرض المحروقة، فيؤدي لتحطيم الجهاز المناعي، كما أنه لا يسلم منه عضو أو جهاز، انه يستسيغ من خلايا الإنسان صبغياتها (كروموزوماتها) فيستوطن هناك؛ والصبغيات هي جوهر الخلايا، وهناك بالتالي مجموعة واسعة من المظاهر الناجمة عن الداء فالوزن ينقص، والنمو يتضاءل، والرئة تلتهب، والكبد يتضخم، ويحدث إسهال مزمن وحمى لا تفسر بسبب آخر، كما تحيق بالبدن التهابات وإنتانات وأخماج جرثومية خطيرة ومتكررة مثل تجرثم الدم وإنتانه والحمى الشوكية (التهاب السحايا) والتهاب العظام والمفاصل والخراجات، وتتراجع ملكات ووظائف الجملة العصبية، ويحدث اعتلال في الدماغ يؤدي للعمى واضطرابات في الحركة وتشنجات واختلاجات وصغر بالرأس وصعوبات في اللغة والكلام ونقص بالإدراك وتأخر عقلي ونعاس وترنح في المشية واعتلال بالأعصاب وتورم بالغدة النكفية على جانبي الوجه، كما تكثر الإصابة بفطور المبيضات البيض (الكانديدا) والفطور الأخرى بأنواعها المختلفة، وتستفحل الآفات الفيروسية بأشكالها، وينتشر مرض السل (التدرن) في البدن، وتكثر الاضطرابات الهضمية واعتلال القلب وأمراض الكلى والجلد والاكزيمات إلى ما هنالك من علل لا يحسد صاحبها عليها، ويتوج ذلك سرطانات غير قليلة تثير الرعب بمجرد ذكر اسمها. أما الذي يولد مصابا فقد تكون له سحنة وجهية مميزة، حيث تتباعد العينان عن بعضهما، وتتبارز الجبهة، ويتسطح جذر الأنف، وتنخرف العينان، وتكون شقوق الأجفان طويلة، وصلبة العين (البياض) تكون زرقاء، والأنف يكون قصيرا، والشفاه متهدلة، ومنتصف الشفة العليا يكون على شكل مثلث، والرأس يكون صغيرا والوزن ناقصا، بالإضافة للمظاهر التي ستظهر لاحقا. وفي الختام: الإيدز مرض فتاك طالت شروره أرجاء المعمورة، ومجتمعاتنا من المجتمعات النظيفة نسبيا - والحمدلله -، وهذا يدعونا أكثر للحفاظ على نقاء البيئة الصحية لدينا، وذلك بالتمسك بالأخلاق الفاضلة والعادات الصحية السليمة، والابتعاد عن مواطن الشبهات والرذيلة المنتشرة في المجتمعات الأخرى.