عن دار الكفاح للنشر والتوزيع – بمدينة الدمام.. في عام 1429ه غرة شهر شوال.. أصدر للقاص / عبدالله النصر مجموعته القصصية الإبداعية (من قاع النسيان).. وهي ضمن مجموعة إبداع التي تقوم الدار بتبنيها طباعة وتوزيعاً ونشراً كأفضل ما تختاره للمبدعين، فاحتلت المجموعة الإصدار التاسع، علماً بأن هذا التسلسل الرقمي لا يمثل رقماً تفاضليا، بل ترتيبيا. تضمنت هذه المجموعة عشرين قصة قصيرة، طبعت في كتاب من الحجم الصغير، بحجم الكف، عدد صفحاته مائة وثماني عشرة صفحة، وقد ظهر الغلاف بحلة رائعة، بدا بشكل شرفة جميلة، تطل على لوحة للفنانة التشكيلية السعودية/ خلود آل سالم.. والإهداء في هذه المجموعة كان لوالد القاص نفسه، حيث قال: (إليك بعض ذاكرتي يامن كنت رمزاً ومثالاً للعمل الدؤوب.. والآن تتقيا أتعابه!!.. إليك أبي..).. الذي تضمنت بعض نصوصه الحوار معه مابين اللوم والتأييد. الجدير بالذكر، أن النصر كاتب يوقن بأنَّ النصَّ القصصي خطابٌ يعبِّر عن الواقع الإنساني ويطرق أبوابه الاجتماعية والنفسية، يهدف إلى استيقاظ العقليات التي تعيش في أبراجها العاجية البعيدة عن الواقع ذاته، لتسعى بكل تواضع بالمواقف الممكنة لمد يد المساندة والعون والإنقاذ لمن هم في قاع نسيانهم. ولهذا فإنّ تجربته القصصيّة تتجاوب مع الواقع الاجتماعيّ والعربيّ تحديداً في أزماته الاقتصادية والنفسية الحادّة. وهو في مجموعته القصصيّة الثانية « في المنعطف» كما في مجموعته الأولى « بعث في خلايا مستقيلة».. هذه المجموعة، تُعدُّ ضمن نقاط التحوّل النوعيّ في تاريخ السرد السعودي.. وفيها يعرض علينا شخصيّات اختارها بعناية ودقة من بين المهمشين والمتجاهلين والمنسيين، ووضعها في مواقف سرديّة حممية، ملتهبة، متفجّرة، بلغة فصيحة ألفاظها العالية والراقية، وحوارات تزيد منسوب المعطيات، وصور دقيقة واضحة، وأسلوب مشوق إلى نهايات مفاجئة أكثر إضاءة وتنويراً.. حيث راح يطوّر أحداثه بحنكة ومهارة، وصبر فائق، ليكسب تعاطف القارئ ويُنتِج الأثرَ المطلوب في نفسه. منذ الوهلة الأولى لولوجك هذه المجموعة تشم رائحة الإبداع الذي يأسرك عطره النفاث، بدءاً من العناوين القصصية الشائقة، التي تأخذ بيدك إلى نفسها، فتنقلك من أولها إلى آخرها أسيراً، حيث ما إن تنتقل من (رماد تفترسه البربرية) إلى (أثداء لا تطفئ العطش) إلى (جين الإخلاص) على سبيل المثال، إلا وتشحن بالتآويل وتثخن بالتخمينات التي تشدك إلى دوحة النص القصصي ببراعة.. حتى تنتهي بالنص الذي يختلف في قوالبه المتميزة، وتراكيبه المتفردة، ليظل لكل ضرب منها له خصوصيته التي تميزه عن غيره من الأنواع الأخرى في المجموعة، ومن هنا تجد أن هذه الميزة لا تجعل من القارئ يخلط بين بعضها البعض، باعتبار أن هذا الفعل يعتبر ضمن الأمور الساعية إلى طريقة التجديد التي يراها الكاتب ليأتي بما لم يأت به غيره. يأتي هذا الفعل الإبداعي، الذي تكتنفه سمة الشعرية المخففة، ضمن الخواص التي يتعارف عليها جمهور الكتاب الجدد في السعودية، الذين يرون، كما يراه الكتابة بقوله (إن شعرية السرد لا تنهض من اللغة وحدها.. وإنما إلى جانب اللغة أيضاً.. بالنظَر إلى الحالات التي ينبثق عنها السرد نفسه.. وكيفيّة اِنبناء تلك الحالات.. هي التي أخرجت هذه الشعرية.. بل أخرجت الصورة الوصفية التقليدية من جمودها.. فضلاً.. عن أنها جعلتها.. إيحائية.. تأويلية.. ذات دلالات متعددة.. تفتح الجملة على المجاز والاستعارة المرتبطين ببنية العمل ورؤيته.. بما يساهم في إثرائه وتوسيع مجال غناه.) بل إنه حاول في كتابة السرد أن يكتب بلغة ألفاظها عالية، ذات استعارات ومجازات قوية، محاولة لإرضاء النقاد أيضاً الذين يحبذون مثل هذا النوع. أخيراً، أقدم الكتاب النصر على بسط ذراعية في مجال القصة القصيرة، محاولة لاستخلاص ما اكتنفه من إبداع المبدعين الذين اطلعوا تراث النوع الأدبي، وتمرسوا به، ومن خلاله أضافوا أو حذفوا أو طوروا أو أبدعوا في كل جوانب القصة، بما تسمح لهم به ثقافتهم وموهبتهم التي ربما يتفق عليها النقاد والقراء المتمرسون بالقراءة المتفحصة والدارسة. الكاتب النصر، جاء (من قلب النسيان) بخطى خفيفة، هادئة، وامتثل بكل براعة أمامنا في دائرة الضوء.. ليقف تماماً أمام أبصارنا بكل جدارة وفخر.. لذا كم هو جدير بنا تلقيه بالأحضان الدافئة.. ومن هنا حري بنا أن نذكر بأن دار الكفاح تقوم بنشر وتوزيع هذه المجموعة عن طريق فروعها في الدمام/الرياض/جدة، وكذلك بعض المكتبات المشهورة كمكتبة جرير والعبيكان والمتنبي بشتى فروعها.