تشهد سوريا لحظة فارقة مع اقتراب انسحاب تدريجي مرتقب للقوات الأمريكية، في خطوة من شأنها أن تعيد تشكيل خريطة النفوذ الإقليمي، وسط تساؤلات متصاعدة حول ما إذا كان الفراغ الناتج سيفتح الباب لصدام تركي إسرائيلي، أم لتفاهمات جديدة بينهما تُعيد رسم حدود اللعبة شمال البلاد. بحسب ما كشفته صحيفة "يديعوت أحرنوت"، أبلغت واشنطن حليفتها إسرائيل أنها تعتزم تقليص عدد قواتها في سوريا خلال الشهرين المقبلين، تمهيدًا للانسحاب الكامل الذي طالما لوّحت به إدارة ترامب في ولايته السابقة، ويُعاد الآن طرحه ضمن مراجعة أوسع للانتشار العسكري الأمريكي في المنطقة، رغم الحشد الأخير قبالة الحوثيين في اليمن وضمن الرسائل لإيران. القرار الأمريكي الذي لم تُفلح الضغوط الإسرائيلية في وقفه، يثير قلق تل أبيب من أن يُترجم إلى إطلاق يد أنقرة شمال سوريا، بما يمنحها مرونة أكبر لتوسيع وجودها العسكري على حساب التوازنات القائمة. وقدّر أحد المسؤولين الأمريكيين أن التقليص المزمع قد يُخفّض عدد الجنود إلى نحو ألف فقط، مقابل ألفي جندي موزعين حاليًا على قواعد متعددة في الشمال الشرقي، لكنه أشار في الوقت ذاته إلى أن حجم التقليص لا يزال قيد المراجعة، في ضوء المستجدات في سوريا والإقليم. ورغم التصعيد اللفظي بين أنقرة وتل أبيب، بدأت محادثات تنسيقية بين الطرفين لضبط إيقاع التحركات في سوريا، حسبما ذكرت الصحيفة العبرية، التي استعرضت كذلك التصريحات المتباينة للمسؤولين الأتراك: فرئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان اتهم إسرائيل بالسعي إلى تقسيم سوريا وتأجيج الصراعات العرقية، بينما تبنى وزير الخارجية هاكان فيدان لهجة أكثر تهدئة، مؤكدًا عدم نية بلاده الدخول في مواجهة مع أي طرف هناك. هذا المشهد المتداخل يتقاطع مع توغل الجيش الإسرائيلي في جنوبسوريا منذ ديسمبر الماضي، بعد انهيار نظام بشار الأسد، متجاوزًا الخطوط التي كانت تُعد مناطق عازلة، ما يعزز المخاوف من نوايا توسعية تتجاوز مجرد الردع الأمني. وفيما يبقى موقف واشنطن من توقيت الانسحاب وحجمه النهائي غير محسوم، يُطرح سؤال حاسم: هل يتجه الخصمان الإقليميان إلى صراع مباشر على ما تبقى من المشهد السوري؟ أم أن ترتيبات ما خلف الكواليس قد تنتج حالة تقاسم محسوبة للمصالح والنفوذ؟ في ظل هذا الانسحاب الأمريكي، يغيب الصوت العربي الفاعل، بينما تبدو سوريا ساحة مفتوحة أمام تفاهمات إقليمية غير عربية، ما يطرح بإلحاح الحاجة إلى دور عربي يعيد التوازن ويحمي وحدة الأرض السورية.