في جلسة صفاء معتادة مع أخي الحبيب ( أبو لجين) الشاعر المغمور الإنسان الرقيق بمعنى الكلمة وكعادته حين نكون معاً لا تخلو جلساتنا من سيرة الدولة السعودية تاريخها وأمجادها وسيرة عراب الرؤية -حفظه الله- وطموحاته وحبه للسعودية وأهلها وحبها له ولابدّ أن يتخلل جلساتنا سيرة القيِّم والأخلاق والشعر والشعراء والأدب والأدباء والفن وأهله، ومرت سيرة أم كلثوم كسحابة خفيفة لطيفة لابدّ أن تمرّ -رحمها الله- وعفا عنا وعنها فمررنا على بعض قصائدها العصماء ،فسألني هل استمتعت إلى رائعة بيرم التونسي ( القلب يعشق كل جميل ) ؟ أجبته :أعرف هذه الأغنية ،لكنها لم تستوقفني أو تشدّني قط كبعض أغنيات أم كلثوم فأصرّ على أن نسمعها معاً كاملة. قال لي: في هذه الأغنية عشق مختلف ،وغزل مختلف. وبالفعل سمعت الأغنية كما لم أسمعها من قبل ،حيث تولى أخي شرح أبعاد الكلمات ،وجمال المعشوقة ، ورهبة الموقف ،فقد كتبها بيرم التونسي -رحمه الله – قبل حوالي ما يزيد على خمسين عاماً ،وكان يؤدي العمرة لأول مره حسب رواية الراوي صاحب الروح الجميلة (أبو لجين) -وفقه الله- وكانت القصيدة الرائعة التي تغنت بها أم كلثوم -رحمها الله- في مقام مكةالمكرمة والكعبة المشرفة .وكان التونسي -رحمه الله وتقبَّل منه ومنا ومن المسلمين أجمعين- في حالة ذهول ممّا رأى من هيبة وجلال ووصف ما وصل إليه من عشق ،فعبر عن عشق بيت الله ،وأنه ليس كأي عشق، فهو العشق المتصف بالديمومة وأن الله عزّ وجلّ واحد أحد يغفر الذنوب ويعتق الرقاب ويقبل التوبة ،وأنه ودود رحيم سبحانه جل شأنه. ويصف التونسي كيف أن دخوله بيت الله ،إنما هي دعوة كتبت له وكرم إلهي تحقّق ولم يجد سوى الدموع التي انهمرت فرحاً بهذه الدعوة وهذا الكرم ، جسّد بيرم التونسي بصوت سيدة الغناء العربي مدى المهابة ، وعظيم الموقف ،الذي ربما وقتها كان متأخراً فيه ، لكن من أتى لم يتأخر، وأبواب الله مفتوحة ترحب بكل من طرقها وتسهل على من أراد ولوجها . يتخيّل التونسي مناجاته لله وأفضال الله عليه والنعم العظيمة التي أعطاه إياها دون سؤال منه والتي لا تعدّ ولا تحصى ،وكيف أن محبة الله ،هي المحبة الأعظم للمسلم . وصف شعوره بالأمن والسلام حين دخل الحرم المكي تغنّى بحمام الحرم -تقبل الله منه ورحمه رحمة تدخله الجنة- فهاهي كلمات تجلّي مع الله تُحسب له بإذن الله وتوضح إحساس كل مسلم يدخل المسجد الحرام لأول مرة، ولعل الجميع يشاهد ويسمع مشاعر الحجاج وهم يصفون مشاعرهم عند دخولهم الحرم بل وحتى مكةالمكرمة كمدينة الروحانية والسلام والأمن والإطمئنان. تخيلت لو أن التونسي دخل الحرم هذه الأيام، ماذا كان نظم ؟ يا ترى كم من الحجاج والمعتمرين الذين دخلوها لأول مره وصفوا شعورهم شعراً أو حتى نثراً بلغاتهم؟ هل من مهتم بذلك أو متابع له؟ حقيقي ليت هناك من مرجعية موثقة عبر السنوات لذلك. أعرف كثيراً من القصائد نظمت في مكة والحرم، لكن لعل معرفتي قليلة بمن نظم ذلك من حجاج ومعتمرين يرونها لأول مرة ،وهل هناك من مكان يستحق عند المسلم التغنّي به ونظم القصيد من أجله كمكة؟ أعتقد عبثاً أن تُكتب الدُرر إلا في مكةالمكرمة. اليوم من يشاهد مكة والحرم ،لاشك يقع تحت وطأة الانبهار والذهول ،ويتأكد أن الحرمين لن يكونا كما هما ، إلا تحت رعاية الله أولاً ثم هذه الدولة العظيمة ( السعودية العظمى) البلد الأغر الأشم. اللّهم احفظ بلادنا ومقدساتنا وأهلنا والمسلمين أجمعين واعف اللّهم عن أم كلثوم وبيرم التونسي وكل من مات وهو يشهد لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة ومات على ذلك واعف عنا معهم.ودمتم. (اللهم زد بلادي عزاً ومجداً وزدنا بها عشقاً وفخراً).