قرأت في جريدة البلاد يوم الثلاثاء الموافق 9/ 6 / 1430ه العدد 15377 مقالاً رائعاً للاستاذ الفاضل: سلمان بن محمد العمري بعنوان : "تفاءل تسعد" والموضوع مهم جدا للدارسين والباحثين سواء في الدراسات الشرعية والانسانية والاجتماعية والاقتصادية والتنموية، حيث يمثل القلق والكآبة اكبر مهدد للتنمية الاجتماعية والاقتصادية المعاصرة، حيث تكلف المجتمع الكثير من بذل الجهود لعلاج المكتئبين ، وهدر الطاقات، وتبذير الموارد البشرية الوطنية بين اغلال الحزن وادوية الكآبة. حيث تتمثل السعادة الحقيقية في الإيمان بالله عز وجل قضاء وشرعا، ويحدو هذا الإيمان العظيم التفاؤل في التفكير، والتفاؤل في أنجاز العمل ، والتفاؤل في السير في هذه الحياة عموماً، وقد جاء في حديث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قوله "لا عدوى ولاطيرة، ويعجبني الفأل الصالح، الكلمة الحسنة": قال ابن عباس - رضي الله عنهما- "والفرق بين الفأل والطيرة ان الفأل من طريق حسن الظن بالله"، قال الحليمي: "وإنما كان يعجبه الفأل لأن التشاؤم سوء ظن بالله تعالى بغير سبب محقق، والتفاؤل حسن ظن به ، والمؤمن مأمور بحسن الظن بالله تعالى على كل حال". لكن ما الذي حصل للتفاؤل؟ للاسف مع الرفاهية الحديثة والتنمية المعاصرة اصبح الهم متجذرا في الصغير والكبير ، والغم منغرسا بين الزوجين، والكآبة تقض مضاجع الاسرة الكريمة، والخوف يلف قلب الأم الرؤوم خوفا من العقوق. حتى قيل: هل للتفاؤل مكان في هذا الزمان؟ نعم للتفاؤل مكان، فهو عنوان الصالحين، وسر الناجحين، وفيء العاملين، فهو الكلمة الحسنة، وهو الابتسامة المشرقة، وهو الاتقان، وهو البر والإحسان، وهو البناء، وهو التنمية ، وهو فعل الخير وهو رعاية المجتمع ، وغير ذلك، فالتفاؤل يدور مع الحياة حيثما دارت، فالتفاؤل عبادة يؤمن بها الإنسان ذكرا أم أنثى صغيرا أم كبيرا، ليواجه بها يومياً كل مايلقاه في طريقة من فرح وحزن ونصب وتعب ونجاح وفشل، فيبتعد الإنسان عن النظرة السوداوية التشاؤمية الكالحة التي تبعث على اليأس والقنوط، ولولا التفاؤل لاستولى اليأس على قلوب الكثير، ولولا التفاؤل لأوقف العجز والهم أعمال الكثير. ومن خلال ممارستي للتدريس الجامعي رأيت طالبات في عمر الزهور انهكتهن الهموم والغموم فاصبحن نبتا يابسا بعد النضارة، وزهرا مرا بعد الجمال والحلاوة، وما ذلك إلا لفقدهن عبادة التفاؤل في كل صباح مشرق. فالله تعالى ينعم على العبد في كل صباح بتنفس نسائمه واعادة الحياة إليه، فنصيحتي لكل من انعم الله عليه بتجدد الأنفاس في الليل والصباح أن يتفاءل، فالتفاؤل منظومة ممدوحة لأنها تقوم على عدة عوامل ايمانية منها: 1- الإيمان بالقضاء والقدر،فالقدر جعله الله تعالى غيبا مغيبا عن الإنسان مهما بلغ منزلته وفضله عند الله تعالى لحكمة ربانية وغاية علوية تخفى على كثير من المتحدثين والمهمومين، فقد قال الله تعالى في حق نبيه محمد صلى عليه وسلم "قل لا أملك لنفسي نفعا ولاضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون" الاعراف 188 فالتفاؤل في طريق الدعوات النبوية كان سبيلا للنجاح والعز والنصر والتمكين.. ولم يكن في قلوب الأنبياء سبيلاً لليأس وخاصة مع طغيان الملأ وقلة الأتباع وضعفهم، ودعا القرآن الكريم إلى تسجيل اروع البطولات والتضحيات بشرط استصحاب الفأل والثقة بالنصر في رحلة البشرية، قال تعالى"وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم امنا يعبدونني لايشركون بي شيئا" النور :55 2- الرجاء: قال تعالى "ويرجون رحمته ويخافون عذابه" الاسراء 57 فقدم في هذه الاية الرجاء وهو : التفاؤل بالخير الكثير على الخوف. 3- التوكل على الله عز وجل : فالإنسان عندما يكون متوكلاً على الله في كل امره يكون قرير العين مرتاح البال في أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصبه،فيندفع في هذه الحياة عاملا باذلاً ما يستطيع من جهده في سبيل تحقيق أمنياته، والوصول إلى أحلامه ، مثل الطيور في توكلها على الله عز وجل في الحصول على رزقها. وبعد فما أشد حاجتنا الى التفاؤل لنعسد ونبني، وليكن التفاؤل عونا لنا على تحقيق اهدافنا في دعوتناوتربيتنا وتعليمنا وعامة امرنا.. فهل نحن متفائلون؟؟ د.هدى بنت دليجان الدليجان استاذ مشارك في التفسير وعلوم القرآن - جامعة الملك فيصل بالأحساء