أظهرت مؤشرات عالمية انخفاض معدل المواليد في المملكة خلال السنوات الأخيرة، فبعد أن كان المعدل 44 مولودًا لكل ألف نسمة في عام 1980م، تناقص تدريجيا إلى أن بلغ 17 مولودًا لكل ألف نسمة، وفقًا لتصنيف مؤشرات التنمية العالمية (WDI)، بينما وصل معدل الخصوبة إلى (2.3)، ما اعتبره مختصون رقما مخيفا، معددين أسباب تدني معدل المواليد، حيث يرى بعضهم أن ذلك يرجع لأسباب اجتماعية غير طبية؛ من بينها تغيّر ثقافة المجتمع وأولوياته، بينما قال آخرون ل"البلاد": إن سبب الانخفاض هو عدم نشر الوعي بين أفراد المجتمع وتعريفهم بأن هناك فرقا كبيرا بين مصطلحي "تأخر الإنجاب" و"العقم"، ليتمكنوا من معالجة الخلل مبكرا. وقد أكد استشاري نساء وولادة (عقم أطفال أنابيب)، المدير العام لمركز هيلث بلس بجدة الدكتور فواز إدريس، أن هناك أسبابا غير طبية خلف انخفاض معدل المواليد في المملكة، كأسباب اجتماعية، مثل اختلاف ثقافة المجتمع وتغير الأولويات الحياتية وطريقة ترتيبها، إضافة لانخراط المرأة في العمل بشكل أوسع من ذي قبل، ما يدفع البعض لتأجيل الزواج أو الإنجاب. وأضاف :"الحمل يحدث نتيجة ثلاثة عناصر، هي: البويضة، والحيوان المنوي، وقناة فالوب، فمن يواجه مشكلة في أحد هذه العناصر كخلل في التبويض أو ضعف في عدد أو حركة الحيوانات المنوية أو انسداد في قناة فالوب نتيجة عمليات جراحية سابقة، أو غيرها من الأسباب سيعاني من تأخير الإنجاب. وتابع: "بعد متابعتي للمستجدات الطبية العالمية والمحلية والاطلاع على العديد من الدراسات والبحوث المنشورة في المجلات الطبية المرموقة، اطلعت على دراسة حديثة قامت بتحليل الدراسات السابقة، وبينت أن لا علاقة بين الإصابة بكورونا ونقص الخصوبة لدى النساء أو الرجال، وكذلك فيما يخص اللقاح، لا توجد له أي أعراض جانبية سلبية تؤثر على الخصوبة أو تعرقل الإنجاب". تأثير نوعية الطعام يرى استشاري جراحة المسالك البولية والذكورة والعقم (صحة الرجل) الدكتور فهد باشراحيل، أن هناك أسبابا كثيرة لانخفاض عدد المواليد بالمملكة، من بينها العقم لدى الرجال أو النساء، مبينا أن سببه لدى الرجل يعود لوجود خلل في السائل المنوي، حيث أصبحت هذه الحالات منتشرة بكثرة في الآونة الأخيرة، ما يؤدي إلى تأخر الإنجاب الذي يساهم بالتأكيد في النسبة المنخفضة لعدد المواليد. واستطرد قائلا: "لابد من نشر الوعي بين أفراد المجتمع وتعريفهم بأن هناك فرقا كبيرا بين مصطلحي تأخر الإنجاب والعقم، كما يجب على الزوج أن يطرق باب عيادة العقم والذكورة في حال مضى على زواجه سنة كاملة دون حمل زوجته، فهنا ينبغي الكشف على الزوج وفي أغلب الحالات يكون العلاج أبسط مما نتخيل، وكذلك بعد مضي السنة ننصح الزوجة بزيارة طبيب نساء وولادة وأن يكون هناك تواصل بين الطبيبين". واعتبر باشراحيل أن هناك أسبابا أخرى لانخفاض معدل الإنجاب، في مقدمتها: الحياة العصرية ونوعية الأكل، وطرق المعيشة التي لها تأثير سلبي ومباشر على الصحة الإنجابية، مضيفا: "إذا نظرنا لحياة أجدادنا سنرى أن عدد المواليد كان في تزايد، لأنهم كانوا يتمتعون بنمط غذائي سليم، وهُنا سنلمس فروقا جوهرية، فالعديد من الأطعمة اليوم تغزوها مواد كميائية وزيوت مهدرجة ترفع من معدل الأكسدة في الجسم وبالتالي تؤثر على جودة النطف المنوية لدى الرجل. لذلك فإن تناول الغذاء الصحي والابتعاد عن الأغذية الضارة سيترك أثرا إيجابيا على جسم الرجل- ليس في مرحلة الشباب فقط، بل حتى في مرحلة الشيخوخة". عوامل اجتماعية واقتصادية استشاري طب الأجنة والحمل الحرج بمستشفى الملك عبدالعزيز في جدة، خالد خداوردي، قال: إن الأمر ليس له علاقة بمشاكل صحية لدى المرأة، بل هو نتاج الحالتين الاجتماعية والاقتصادية، كما أن أفكار أفراد المجتمع تغيرت بصورة كبيرة عن السابق، فضلا عن تأخر سن الزواج، ما ساهم بشكل واضح في انخفاض معدل الخصوبة والإنجاب. وتابع: "بالأمس كانت تتزوج الفتاة في صغير مابين 15 – 18 عاما. أما اليوم قد تتزوج في سن ال30، فالأرقام التي أفصحت لنا عن أن نسبة تناقص المواليد في المملكة ليست وليدة سنة أو سنتين، بل قبل حوالي سبع سنوات، وهذا يدل على أن لقاح كورونا ليس له أي علاقة بهذا الانخفاض، ولا نستطيع أن نشير إلى أن هناك تأخرا في الحمل لدى المرأة إلا بعد أن تكمل عامها الأول من زواجها، بشرط أن تكون هناك علاقة خاصة مستمرة"، منوها إلى أن عمل الرجل له تأثير مباشر أيضا، فسائقو سيارات الشحن والنقل الثقيل مثلا يتأثرون صحيا من ناحية ضعف في عدد أو شكل الحيوانات المنوية، بينما المرأة قد يؤثر عليها زيادة الوزن في انتظام الدورة الشهرية، وتكيس المبايض، ما قد جعل الحمل صعبا بعض الشيء. أسباب صحية أشار استشاري جراحة المسالك البولية وأمراض العقم والذكورة الدكتور إيهاب السيد، إلى أن أكثر الأسباب المؤثرة سلبا على الحيوانات المنوية، وبالتالي خصوبة الرجال، هي دوالي الخصيتين؛ إذ تكون الأوردة التي تنقل الدم من الخصية إلى خارج الجسم حجمها مختلفا، ويحدث بسببها ارتجاع للدم، وبذلك تؤثر على الحيوانات المنوية مما يحدث تأخيرا في الإنجاب. ونوه إلى أن هناك العديد من الأمور الأخرى التي قد تكون سببا لتأخر الإنجاب، منها: فشل خصية الرجل في تصنيع الحيوانات المنوية، والأمراض الوراثية، وأمراض القلب، والسكري، والتدخين، والبدانة، حيث إن قلة الحركة وزيادة الوزن تسبب ضعفا في هرمون الذكورة، كما أن الأكل غير الصحي يؤثر على الخصوبة، مردفا بالقول: "لذلك ننصح بأسلوب حياة سليم كممارسة الرياضة، وتناول الغذاء الصحي، والابتعاد عن التدخين حتى لا تنخفض نسبة المواليد. أما ما يشاع من البعض حول تأثير لقاح كورونا على الإنجاب، فهو حديث غير صحيح، فلا علاقة للقاح بتاتا بالخصوبة". عوامل نفسية فيما يخص الأسري والاجتماعي وتأثيره على معدل الإنجاب، أوضح الاستشاري الأسري والاجتماعي دكتور محمد لافي، أنه لا توجد دراسات علمية حتى الآن ثبت ذلك بشكل قطعي. واستطرد قائلا: "لكن العوامل النفسية والاجتماعية تؤثر بالتأكيد، كما يؤثر التدخين وغلاء المهور في عدد حالات الزواج وكذلك ارتفاع عدد حالات الطلاق، كما أن النشاط البدني بشكل عام يؤثر على الحيوية والرغبة في الحياة ويتسبب في خفض الخصوبة للجنسين، لذلك علينا الاهتمام بالغذاء والنشاط الرياضي والتركيز على الإيجابية في الحياة". وحول تأثير عدد حالات الطلاق وانعكاسها على معدل المواليد في المجتمع، قال: إن هذا الطرح منطقي، فإن ارتفعت حالات الطلاق بالتأكيد سيصحبها انخفاض في معدل الإنجاب، كما أن نمط الحياة أو ما يعرف ب"Lifestyle"، سلوك إنساني يساعد في زيادة وعي الإنسان، فكلما كان الشخص أكثر معرفة وإدراك بغذائه وطريقة عيشه وممارسة رياضاته وعمل الفحوصات المخبرية بشكل دوري، مع الاهتمام باللياقة النفسية والسعي للحياة بشكل إيجابي، كان ذلك له دور في حياة سعيدة مستقرة. الأفكار السلبية تنعكس على القدرة الإنجابية قالت المستشارة النفسية والأسرية ومدربة التنمية البشرية الهنوف يماني: إن الأفكار السلبية المتمثلة في عدم القدرة على تربية الأبناء مع كثرتهم وبالتالي حدوث الطلاق، أو التوفيق بين الواجبات المنزلية والعمل تؤدي إلى خفض معدل الإنجاب في المجتمعات، معتبرة أن مواكبة الحياة العصرية، ونوعية الطعام باتت تؤثر على معدل الإنجاب هي الأخرى. وشرحت بالقول: "انتقاء الأهل لمستوى معيشي معين لأطفالهم بالتأكيد سيؤثر على عدد الأطفال، الذين سينجبونهم لكي يستطيعوا توفير مستوى معيشي عالٍ لهم، كما أن اهتمام المرأة والرجل بحياتهما الوظيفية أكثر من حدود المعقول يؤثر على قدرتهما على الاهتمام بالكثير من الأطفال، وتوفير احتياجاتهم"، مضيفة: "من جانب آخر قد تكون هناك عوامل جينية أو وراثية، فضلا عن الخوف من الانفصال، وهو ما يجعل المرأة تحجم عن إنجاب المزيد من الأطفال؛ خوفاً من عدم الاستمرارية". ولفتت يماني إلى أن العوامل النفسية والاجتماعية لها دور كبير جدًا في انخفاض معدل الإنجاب، فعدم التوافق في الأفكار قد يؤثر سلباً على نفسية الزوجين، فيبدآن بالتالي في التفكير بالبعد عن الإنجاب، موصية ببمارسة الرياضة بشكل مستمر لأجل صحة أفضل وبالتالي قدرة أكبر على الإنجاب.