فيه من الاعاجيب الكثير، ومن ذلك ما حدثني به رجل فاضل زار مستشفى المجانين، بطلب من أحد الموظفين هناك، وعند دخوله والجلوس مع الموظف ما يقارب نصف الساعة، بعدها أشار عليه بالمرور على عنابر المجانين، ومشاهدة بعض العبر. قال دخلنا العنبر الأول وقلبي يرجف من الخوف، وتوجهنا إلى إحدى الغرف، فنظرت فإذا رجل انيق، جميل البشرة، يقف بجوار سبورة للتعليم، وأمامه عدد من الطاولات الخالية من الطلبة، ويحمل في يده أقلاماً للكتابة بجميع الألوان. وإذا هو يشرح قانون نيوتن في مادة الفيزياء وبشكل رائع، لكنه يلتفت حياناً إلى الطاولات بغضب، ويأمر بالجابة، وفي الحقيقة لا يوجد أحد!! تعجبت من ذلك، فسألت صاحبي من هذا، فقال بروفسور في الفيزياء ادخل المستشفى من العام الماضي، وأصبح طول يومه يشرح الفيزياء حتى ينام، ثم يعود لهذه الطريقة في اليوم التالي. الجنون علمياً هو فقدان السيطرة على العقل، والقيام بسلوكيات شاذة من دون أن يكون الشخص مدركاً للأمور التي يقوم بها، والتي غالباً ما تخالف ما هو شائع ومتعارف عليه داخل المجتمعات. والجنون في حياة البشر أنواع منها ما يكون وصفاً إيجابيا ومنها غير ذلك، ففي أول صفحة من كتاب مذكرات "ستيف جويز" الذي ظهر بعد وفاته، نص مكون من أربعة أسطر جاء فيه "هؤلاء المجانين الذين يعتقدون أن بوسعهم تغيير العلم، هم الذين ينجحون في ذلك فعلا" ويقول مارك توين "حين نتذكر أننا كلنا مجانين، يتضح لنا معنى الحياة." يحكي الدكتور عادل صادق استاذ الطب النفسي تجربة عمرها أكثر من عشر سنوات عاشها في كل يوم مع عالم المجانين، فقال: لم أر مجنوناً يكذب أو ينافق أو ينصب أو يخدع أو يغش أو يدعى أو يبالغ، لم أر مجنوناً يمتلئ بالحقد أو الكراهية، لم أر مجنونا يحاول أن يضع قناعاً على وجهه أو يزيف حقيقته، لم أر مجنوناً يرتشي أو يزور، المجنون إنسان صادق مائة في المائة، إنه يُخرج وبمنتهى الشجاعة كل محتويات عقله وقلبه، إن مشكلة المجنون مع نفسه، فهو يعيش في عالم خاص به من صنع خيالاته وأوهامه. فاصلة: إن المجنون حقاً من أكل حقوق الناس وظلمهم، وتنمر عليهم، معتقدا ذلك ذكاءً وقوة، إن المجنون حقاً من أنكر وجود الإله الحق، وركض خلف شهواته الفانية، إن المجنون حقاً من نفخ الشيطان في قلبه حقدا وحسدا وكبرا، حتى أصبح لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه، إن المجنون حقاً من صادر آراء الآخرين واعتقد أنه الحق المبين فأخذ من فرعون "ما أريكم إلا ما أرى" إن المجنون حقا من اعتقد أنه يملك رحمة الله الذي هو أرحم بعباده من المرأة بولدها.