كان لا يزال في سن الثامنة عشرة بدويا يافعا دقيق الشمائل وصلب العود كما يصفه الانجليزي ديكسون يزين وجنتيه ضفيرتان طويلتان تتدليان على جانبي الوجه تزيدانه هيبة ووسامة وتثيران الحسد في صدور اجمل النساء وكان بالاضافة إلى ذلك شابا دائم البهجة ذكي الفؤاد لا يعرف الهم إلى قلبه سبيلا عند ما كان يرافق والده في الكويت اثناء تلقيه العلاج في المستشفى الامريكي قادما من نجد فأحبه ديكسون واعجب بذكائه وفطنته حتى ادخله منزله واطلعه حتى على غرفة نومه التي بهر بها الشاب وحلف انها لاتوجد في منازل رؤساء الدول ولم يكن الرحالة يعلم حينها ان هذا الشاب سيكون بطلا لواحدة من اندر واغرب قصص العشق التي نقلها ضمن كتابه ( عرب الصحراء ) إلى الغرب وانبهر بأحداثها الاوربيون الذين كانوا يتوقفون عندها كثيرا ويغوصون في احداثها والتي رواها على النحو الاتي : قضى الشاب اسبوعا كاملا في الكويت في حين كان والده يتلقى العلاج في مستشفى الارسالية الامريكية وغادر الكويت مصحوبا بدعواتي وبعض الهدايا من زوجتي دون ان ندري ما يخبئه له القدر . وبعد ستة اشهر عاد ابوه إلى الكويت بصحبة رجل آخر وجاءا لزيارتي فسألت ( أين هو ) لماذا لم تصطحبه معك فقال الاثنان بحسرة (( يا للاسف لقد فقد الشاب عقله )) . ( مخبل ) فسألت مستغربا ( فقد عقله ! كيف ؟ ) فأجابا : نعم لقد جن تماما فقلت ان فتى قويا صحيح البنيه مثله لا يمكن ان يجن . اني اكاد لا اصدق ما اسمع فرد الاب ( انها الحقيقة ) وكل ذلك بسبب حب فتاة جميلة رآها بين الجمال فقلت : اذن لماذا لا تدعوه يتزوجها ما دام يحبها كل هذا الحب ؟ فرد الرجلان معا (( واحسرتاه )) هذا مستحيل انها زوجة رجل مرعب لقد تزوجها منذ عام مضى ثم تركها لان تذهب لتعيش مع ابويها بالقبيلة . وردا على سؤالي حول مدى جنون الفتى قالا بانه لا يأكل ولا يتكلم ولا يتعرف على أحد وقد قال البعض ان الحب لا يمكن ان يكون سببا في جنونه ولا بد انه قد مشى على قبر بالصدفة اثناء الليل وان جنيا من القبر قد سيطر عليه وتلبسه، ولذلك فقد حاولوا علاجه بالكي في رأسه ورقبته وظهره لكن دون جدوى ، فقلت ان هذا الامر لا يمكن ان يكون سوى نتيجة حب عنيف افقده صوابه والافضل ان يجدوا له زوجة تنسيه ما هو فيه والا غدا مجنونا بالفعل فأجاب الرجلان ( يمكن ) وصمتا ولم يعودا إلى ذكر الموضوع مطلقاً . لكنهم عملوا بنصيحتي فيما بعد ولكن( بطريقة غريبة )، فقد زوجوا الفتى الملوع بالحب والذي غدا الان خفيف العقل من (أخت محبوبته ) علمت فيما بعد بأنها تشبه أختها كل الشبه في الطبع وحتى أكثر منها جمالا . ولذلك كان لا بد للفتى ان يرضى ، وعلى اية حال فان ما هو فيه من الجنون لن يمكنه من ادراك الفرق واطاع الفتى والديه دون اعتراض ، كما انه ابدى بعض التحسن غير انه لم يكن راضيا حقا. بل ابعد ما يكون عن الرضا . وبعد شهرين أخبرت بجميع التفاصيل بسرور ظاهر ولكنني كنت ادرك ان الفتى لا يزال يقاسي من لوعة الحب . وقد سمعت فيما بعد أن الفتى في لحظة من لحظات الصحو صمم ان يذهب ليخبر زوج محبوبته بأمره وحاول الجميع أن يثنوه عن عزمه ولكن دونما فائدة غير ان القدر كان يخفي له مفاجأة سارة . ففي خريف عام 1935م عندما انطلق الفتى لتحقيق ما اعتزم عليه توفي زوج الفتاة التي يعشقها ، ولم اعد ارى الفتى بعدها ولكنني علمت فيما بعد انه سر سرورا عظيما بالخبر فقد انطلق إلى مضارب اهلها وانتظر محبوبته حتى انقضت مدة الحداد وفعلا احتفل بزواجهما بعد انقضاء تلك الفترة بقليل ، واصبح بعدها الفتى رجلا سعيدا من جديد ، وارجو الله أن يديم عليه السعادة ويحفظ زوجته من كل سوء لسنوات طويلة ,,