يبدو أن الأمثال التي كان يقولها من سبقونا باتت حكماً قيمة تُطبق في الزمن الحاضر بشيء من اليقين بصحتها فعندما كانوا يقولون بأن (الحاسد يرى زوال نعمتك نعمة عليه) كنا نعتقد أنها مقولة تحمل شيئاً من المبالغة في مضمونها !! بل ونشك في أن من قالها كان متحاملاً على منهم أقل منه نعمة وحظاً !! لكن وبمرور الوقت تُثبت الأيام بل ويُبرهن التاريخ فعلاً بأن الحكمة من أفواه السابقين بقعة ضوء تُنير طريقاً كاملاً في الحياة وتفتح أبوابا مغلقة نحو الانعكاسات الاجتماعية والأبعاد الفكرية. الحسد.. ذلك الداء الذي يسكن القلوب وهو الأخطر من نوعه !! حيث يمثل المنهجية في التكوين النفسي لبناء الشخصية التي تخضع بالدرجة الأولى لمحصلة العمليات العقلية والانفعالات الوجدانية.. في مختلف المواقف الحياتية والتعامل مع المعطيات فصاحب القيم والمبادئ والأخلاقيات تُشير إليه التصرفات المتسمة بالاتزان الانفعالي والعلاقات الطيبة والمشاعر النبيلة بعكس ذلك الذي تُسيطر عليه النزعة الاستعلائية والاتجاهات العصبية والبواعث العدوانية. والحاسدون واقعهم آفة مجتمعاتهم وعادة ما يكره الحاسدون نعمة الله على غيرهم ، فتجدهم يضيقون ذرعاً إذا أنعم الله على غيرهم بالمال، أو العلم أو الجاه أو غير ذلك من نعم الله علينا التي لا تُعد ولا تُحصى. قال تعالى: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِن شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ).. وقد تأتي العين من شخص تظن أنه من أحب الناس إليك وأنت من أحب الناس إليه ومع ذلك يصيبك بالعين وقد ذكر الله تعالى الغاسق إذا وقب، والنفاثات في العقد، والحاسد إذا حسد، لأن البلاء كله في هذه الأحوال الثلاثة يكون خفيًّا وهي داخلة في قوله تعالى : ( من شر ما خلق). ويُعد الحقد الذي يُمثل الغيظ المكظوم في النفس ضد الآخرين أحد أدوات البُغض والضغينة التي تُثير الغضب وتُفقد صاحبها ركيزة أساسية من ركائز الأخلاق الحميدة والمعاشرة الطيبة في حياة الناس فهو صفة هدامة وبغيضة والحسد أحد نتائجها. وعن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء». وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: «لا تباغضوا ولا تقاطعوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله اخوانا».. قطر: يقولون (اصبر على حسد الحسود فإن صبرك قاتله .. كالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله)