كيف يصير (الفاعل) ضميرا مستترا خلف كل الأحداث في حياتنا؟ كيف يلازمنا في كل ردات فعلنا تجاه الحياة ونظرتنا للبشر وانطباعاتنا عن الأحداث؟ يحدث هذا معنا جميعا، ويتراوح حجم الفاعل وتأثيره من موقف لآخر، ومن شخص لآخر، في حياة كل منا (فاعلين) يغيبون عن مسرح حياتنا ويبقى تأثيرهم موجودا في كل محاولة (لإعراب) مشاهد أيامنا. سأحكي لكم ما أقصد، وإن اعتبرها البعض من باب الفلسفة، لكنني على يقين بأن كل من سينتهي من قراءة المقال، سيستحضر الفاعلين في حياته واحدا تلو الآخر. أبي،الرجل الذي رسم مقاييس الرجولة في نظري، القوي الرحيم، الذي يعرف كيف يوازن بين كفتي الميزان في تعامله مع الحياة، علمني كيف أبكي سرا، فدموعي أغلى من أن يتلذذ بها الشامتون، علمني كيف أمرّ مهرولة عن التفاهات والمهاترات، أترفع دوما وأنسحب، ولا أدخل في حروب، فالدموية في التعامل ليست من صفات العظماء والناجحين. يستوعب جنوني الفطري، يروضني بلطف، ولا يعرف أن يفرض رأيا إلا بالإقناع، فكبرت، شابة طموح جموح، لا أعرف إلا النظر عاليا، والتحليق بأحلامي وأهدافي، أعزّ نفسي، أكبر في نظري ونظر الآخرين، لا أقبل المساومات، ولا أعطي لأنتظر مقابلا، أسير، وكل صغير أرميه خلفي، أحب من حولي، فأكسب أعدائي، وأحافظ على أصدقائي، وإن وقعت، فواقفة شامخة، ضد الكسر والحزن والألم. علمني كيف أحب نفسي بلا أنانية، أن أحب الآخرين بلا تنازلات رخيصة أو مصلحة، أن أمعن في الحلم وأسعى لتحقيقه، أن أقرأ ما بين السطور، أن أفترض حسن النية حتى يثبت العكس، أن لا ألقي باللوم على الآخرين، ولا أحمل أحدا نتيجة إخفاقاتي أو خطأ قراراتي، أن أجد مبررا لكل أذية أتناولها أو طعنة يستقبلها ظهري. محى من قاموسي المستحيل واللاممكن، دوّن في مخيلتي الإرادة، وأعطاني أدواتها.. أبي: هو الذي أعطاني (القلم) أمانة، قلمه كان مزركشا نظيفا، لا يحب (الماركات) باهظة الزمن، لأنها كما يقول (فضفاضة)، فأصبحت الكلمات مطواعة بين يديّ، لا أناديها إلا وتجيبني ملبّية بحب وطوع. أبي... هل عرفتم ما أقصده بالفاعل المستتر؟ هو شخص أو أشخاص، يؤثرون في حياتنا، ويضعون أساسات فلسفتنا وملامح شخصيتنا، لنمضي في هذه الحياة نحب ونحلم ونتعلم، فيا حظ من كان في حياته فاعل بحجم أبي وبياض قلبه.. أصدقاء الحرف: "نسير في الطريق مكبلين كأننا أسرى يدي أم يدك لا أدري احتست وجعا من الأخرى" شاعرة وإعلامية أردنية [email protected]