ما انفك النظام الإيراني يواصل أسطوانته المشروخة، مبتزا أوروبا بالانسحاب من معاهدة للحد من انتشار الأسلحة النووية من جهة، ومهددا المجتمع الدولي من جهة أخرى بإغلاق مضيق "هرمز" الذي تمر عبره نحو 40 % من احتياجات النفط العالمي. ومن ذلك ما أعلن عنه الرئيس الإيراني حسن روحاني امس "الأربعاء" بخفض مستوى الالتزام بالاتفاق النووي، وتعليق بيع اليورانيوم المخصب والماء الثقيل الفائضين لديها، الأمر الذي يعتبره مراقبون ابتزازا إيرانيا للغرب الأوروبي، الذى لم ينسحب رسميًا من الاتفاق النووي الإيراني، على غرار الولاياتالمتحدةالأمريكية. ويأتي تصعيد إيران في لهجتها العدائية بالتزامن مع مرور عام كامل على انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي في 8 مايو 2018. ورغم إعلان أوروبا أنها ستضطر لإعادة فرض عقوبات على طهران حال انتهكت الاتفاق النووي الإيراني، أبلغت إيران، سفراء الدول التي لا تزال موقعة على الاتفاق (ألمانيا والصين وفرنسا وبريطانيا وروسيا)، بقرارها "التوقف عن تنفيذ بعض التزاماتها" بموجب الاتفاق النووي. وقال روحاني في رسائل إلى زعماء القوى العالمية الخمس، إن طهران لن تبيع اليورانيوم المخصب والمياه الثقيلة لدول أخرى بعد الآن، وأشار إلى أن بلاده ستخفض بعد 60 يوماً مزيداً من التزاماتها ضمن الاتفاق النووي، وستزيد مستوى تخصيب اليورانيوم. وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد اعلن في مايو 2018 انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الإيراني، وأعاد فرض حزمتي عقوبات اقتصادية شملت قطاعات اقتصادية مهمة أبرزها النفط والمصارف، ما عمق من الأزمة الاقتصادية التي تعيشها إيران، بسبب إهدار موارد وثروات شعبها على حروبها بالوكالة خارج الحدود. وتثار شكوك دولية بشأن مدى التزام إيران بالاتفاق الذي وقعت عليه مع القوى الكبرى، غير أنها استغلت مرحلة الرفع الجزئي للعقوبات، وسعت تحت مظلة الاتفاق النووي لتوسيع نفوذها العسكري في بلدان مجاورة عبر برامج صواريخ باليستية، فضلاً عن تمويل مادي ولوجيستي لمليشيات مسلحة. ووفقاً للاتفاق النووي، لا يجب على إيران امتلاك أكثر من 300 كيلوجرام من اليورانيوم المخصب، في حين رفضت أمريكا قبل أيام تمديد إعفاءات نووية كانت تتيح مبادلة اليورانيوم المخصب باليورانيوم الطبيعي المعروف باسم "الكعكة الصفراء" بين طهران وبلدان أخرى. وتريد أمريكا من خلال هذه الإجراءات إجبار إيران على وقف إنتاجها من اليورانيوم منخفض التخصيب، حيث سرعان ما هدد رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني بمواصلة طهران تخصيب اليورانيوم وإنتاج الماء الثقيل، بغض النظر عن هذا القرار. قبل يوليو 2015، كانت إيران تمتلك مخزونا كبيرا من اليورانيوم المخصب، وحوالي 20 ألفا من أجهزة الطرد المركزي، الأمر الذي كان كافيا لإنتاج ما بين 8 إلى 10 قنابل نووية، بحسب تقديرات البيت الأبيض. ووقتها، قدر خبراء أميركيون أن إيران لو قررت إنتاج سلاح نووي سيكون أمامها شهران أو 3 أشهر فقط للحصول على كمية كافية من اليورانيوم المخصب (بحدود 90 بالمئة) وهي الكمية اللازمة لإنتاج القنبلة. ورغم نص الاتفاق النووي على أن تحد إيران من حجم مخزونها من اليورانيوم المخصب، تأتي تصريحات روحاني بشأن عدم بيع بلاده لليورانيوم المخصب، لتؤكد أن أطنانا من هذه المادة لا تزال بحوزتها، الأمر الذي يمكنها بسهولة من صنع أسلحة نووية. وكانت إيران تعمل على بناء منشأة تعمل بالماء الثقيل بالقرب من مدينة آراك، ويحتوي الوقود المستنفد من مفاعل الماء الثقيل على بلوتونيوم يمكن استخدامه في صناعة قنبلة نووية. وفي بادئ الأمر، أرادت الدول الكبرى تفكيك منشأة آراك بسبب مخاطر الانتشار، ووفقا لاتفاق نووي مؤقت جرى التوصل إليه في نوفمبر عام 2013، وافقت إيران على عدم تشغيل المفاعل أو تغذيته بالوقود. وفي السياق شددت فرنسا على ضرورة التزام إيران بالاتفاق النووي. وأكدت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارليم، في مقابلة تلفزيونية أنه إذا لم تحترم إيران التزاماتها النووية فإن مسألة إعادة تفعيل آلية العقوبات ستكون مطروحة.كما أوضحت أن ما من شيء أسوأ من خروج إيران من الاتفاق النووي، مضيفة أن الأوروبيين يريدون استمرار الاتفاق. إلى ذلك، شددت وزارة الخارجية الصينية أن الاتفاق النووي الإيراني المبرم عام 2015 يجب تنفيذه بالكامل، معتبرة أن كل الأطراف مسؤولة عن ضمان تحقيق ذلك. وكان مصدر في الرئاسة الفرنسية، حذر من أن أوروبا ستضطر لإعادة فرض عقوبات على إيران إذا تراجعت طهران عن أجزاء من الاتفاق النووي. وأضاف "لا نريد أن تعلن طهران غدا إجراءات تخرق الاتفاق النووي لأننا كأوروبيين في هذه الحالة سنضطر لإعادة فرض العقوبات وفقا لشروط الاتفاق. لا نريد أن نقوم بذلك، ونأمل ألا تتخذ طهران هذا القرار".