سببٌ ما دعا الغيداني لنظم قصيدته، القصيدة الأنثى ، المترفة والملهمة والمعشوقة .. هذا السبب هو الصمت الاختياري أو غير الاختياري الذي يمر به المبدع ؛ ذلك أن الإبداع كالمطر له ( حِروة ) أو ( حزّة ) تسوقه رياح الإبداع ؛ فيخضرّ قصائدَ معشوشبة بالحب الحقيقي للشعر ، أو تسكن الريح فتظل بواخر الإبداع رواكد تنتظر اهتزار النفس ، ولمحة البرق الشعري فتتحرك أوتهطل .. مر الغيداني بالحالة لكن إذا كان العامة يؤثرون الصمت ويجعلونه ذهبا كما في المثل " إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب " فإن الحالة الإبداعية للغيداني كسرت المعتاد لتجعل الصمت فضة و ( الهرج ) ذهبا !( المترفة ) القصيدة تتزيا بالذهب شكلا ومضمونا وصفيا وحواريا ؛ فقد تفنن الشاعر في جعلها منقوشة في شكلها الصوتي وإيقاعها الداخلي نقشا كالذهب ، في قافيتيها ( الراء واللام ) اللتين تقفلان دونهما في شكلها التناظري على تكرارتهما بشكل متقارب جدا ( الراء 62 مرة ) و ( الباء 64 مرة ) .. ومع شيوعهما في القوافي القديمة والحديثة في الفصيح والشعبي ، إلا أنهما بتكرارهما في الأحشاء وبمصاحبة أصوات لهوية وحلقية بشكل متقارب ( ك 18 مرة / ق 34 مرة / ع 30 مرة / ح 34 مرة / ه 34 مرة ) تشير إلى حالة الحب الحقيقي التي تفيض بها الصدور ؛ فتخرج زفرات وتتفشى في الفم بمعونة صوت ( ش 35 مرة ) وكأن حالة الشعر هي تلك التي روى عنها النقاد القدماء قول العربي حين سئل عن البلاغة والشعر فقال :" شيء يختلج في صدورنا فتقذفه ألسنتا " والقصيدة مضمونا تنقسم بين حواريّة مع القصيدة المترفة في الأبيات العشرة التي تلي البيت الأول في صيغة النداء ( يا مترفة ، معشوقتي ) وفي صيغة الأمر ( قولي لهم ) ثم تتحول إلى الأنا الشاعرة التي تسكن القصيدة المترفة في صيغة ضميري المتكلم ( أنا والياء) أو في صيغة أفعال المتكلم ( أتلاشى ، أشتاق ، أحتاج ، أشوفني ، أحسبني .. ) حتى إذا بلغ به الشوق للقصيدة مبلغه وتلاشى صبره ( قَنَبَ ) لينهي القصيدة بقافية البيت الأول منها وكأنه ( قنيب ) مستمر !! ويبدو الغرور الشعري في القصيدة ، وهو غالبا شعور إيجابي خلاق يذكرني قولُه فيها : وصلت رغم انف المسافة .. لا ورغم انف الغيور خويي الصبر الجميل ومشلح سلوم العرب قولَ محمد الثبيتي في موقف من الرمال موقف من الجناس : يا أيًها النخل يغتابك الشجر الهزيل ويذمك الوتد الذليل وتظل تسمو في فضاء الله ذا طلع خرافي وذا صبر جميل والقصيدتان لهما في ما بدا لي سياق متشابه من الفتور أو الإنقطاع عن الشعر ، لم يمر بصمت بين الأقران ومتعاطي الشعر !.