أول مرة سافرت فيها خارج الديار توجهت إلى باريس. في ذلك الوقت، كانت الأفكار تزدحم في رأسي عن ذلك العالم الجميل. في الطائرة، كنت أترقب وصولي وأنظر بفارغ الصبر من خلال النافذة. كنت وبفضل الإعلام، سينما، مسرح، تلفزيون، جرائد و مجلات، كنت أتخيل شوارع باريس مرصوفة بالبلور و رائحة العطور تملأ أرجائها ولن أبالغ إن قلت: إنني كنت أتخيل أن الجميلات سيستقبلنني بالورود. كنت أفكر في موضوع لمقال هذا الاسبوع و فوجئت بأحد الإعلاميين من عشاق التطبيل والتضليل والتهويل يحدثنا عجباً عما أصبحوا يطلقون عليه كوكب اليابان و أخذ يتحدث ويسهب كذباً وإفتراءاً ويقارن بين وضعنا في العالم العربي وواقع هذا الكوكب. تذكرت وقتها إحدى المسرحيات القديمة وحديث أحد أبطالها عن رحلته إلى باريس ومقارنته بين باريس والقاهرة بشكل فج ؛ بداعي الدعابة و الكوميديا. عقود مضت من الزمن وأمثال أولئك الإعلاميين يصرون على تضليل مجتمعاتهم وتمجيد كل ماهو أجنبي وتحقير شعوبهم بدلاً من تحفيزها. يبرزون كل ماهو جميل بل ويكذبون ويدعون أموراً غير موجودة إلا في عقولهم المريضة وبالمقابل يبرزون كل ماهو قبيح في مجتمعاتهم. كل ذلك في سبيل الشهرة و الأمجاد الشخصية ولا بأس لو سببوا الإحباط وكسروا نفوس الملايين. والشئ بالشيء يذكر، واقعنا الرياضي، أظهر لنا جوقة أو مافيا إعلامية باعت أقلامها وضمائرها لمن يدفع ومضت في تضليل الشارع الرياضي زمناً طويلاً وأعطت ألقاباً لمن لا يستحق وحاربت المخلصين. والآن، يظلنا شهر كريم وقد شمرت القنوات الفضائية عن سواعدها لكي ترفه عنا (وكأننا شكونا حالنا لهم) وتأخذنا بعيداً عن أجواء هذا الشهر الفضيل وكلما ازدادوا إسفافاً، زاد دخلهم من الإعلانات التجارية؛ لأن الإسفاف زبائنه كثر. لست أعول كثيراً على القنوات التلفزيونية ولا أعتقد أن يستيقظ ضمير المطبلين المضللين فقد أدمنوا التهويل والكذب وضمائرهم لن تستيقظ لأنهم باعوها منذ زمن. العهدة هنا على كل رب أسرة أن يخطط لعائلته يومها وليلتها بين العبادة و قراءة القرآن والأعمال التطوعية ولنهجر الإعلام في شهرنا هذا وصدقوني، لن نخسر شيئاً فالمسلسلات ستعاد طوال العام، والكذابون والمضللون سنجدهم في إنتظارنا عند العيد. وستظل باريس و طوكيو في كوكب الأرض، وفيهما مايجب أن نقلده وننقله وفيهما ما لا يناسبنا، كذلك لدينا مايجب أن نطوره ومايجب أن نحافظ عليه. أعملوا عقولكم ولا تصدقوا الإعلام الرخيص.