إن ابتلاء الخلق بالمصائب والفتن هي من أفعال الله عز وجل وتقديراته، والتي كلها حكمة ورحمة، ما لم يكن العبد هو السبب المباشر فيها، وهي في هذه الحال ناقوس خطر ينبه العبد لما قد يكون وقع فيه من معصية لله أو فرط في شيء مما وجب لله عليه، فحتماً لا تأتي البلايا والمصائب من طاعته لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ولكن الله يمتحن العبد اذا وقع منه التفريط او المعصية فيمحصه بها فالله عز وجل يقول: (ليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين)، فالله يمحص بما يكفر به عنهم ذنوبهم اذا كانت لهم ذنوب، فهي تنقية لهم من الذنوب والآفاق وذلك برحمته بهم بتكفير السيئات ورفعة الدرجات وبالتعويض من الله، فالمؤمنون مختلفون عن غيرهم ممن لم يؤمنوا بالله، فسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (والذي نفسي بيده لا يقضي الله للمؤمن قضاء الا كان خيراً له، وليس ذلك الا للمؤمن ان اصابته سراء شكر فكان خيراً له، وان اصابته ضراء صبر فكان خيراً له، ويقول : (ما من مصيبة تصيب المسلم الا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها) ويقول : (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها الا كفر الله بها أشد خطاياه) وقد يكون الابتلاء امتحان للعبد، يرفع الله به قدره فمما روى سيدنا سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه انه قال : يا رسول الله أي الناس اشد بلاء قال : الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالامثل من الناس، يبتلى الرجل على حسب دينه، فان كان في دينه صلابة زيد في بلائه وان كان في دينه رقة خفف عنه، وما يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على ظهر الأرض ليس عليه خطيئة، وهذه النصوص بشارة للمؤمن لان الادمي لا ينفك غالباً من ألم بسبب مرض أو هم او نحو ذلك وان الأمراض والأوجاع والآلام تكفر ذنوب من يصاب بها، فقد ورد في الحديث (ما من مسلم يصيبه أذى الا حات عنه خطاياه) ولعل مثل هذا منحة من الله له لا محنة، وقد يقع الانسان في الخطايا فيشرع الله له في الأعمال الصالحة ما يمحو به الذنوب ويكفرها عنه، فالصلوات الخمس والجمعة الى الجمعة ورمضان الى رمضان والحج الى الحج والعمرة الى العمرة كفارات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر، والمؤمن العاقل من يجتنب من الذنوب الكبائر ويكثر الطاعات لينجو في دنياه او الأثم في آخره ثانياً، وعلى المسلم اذا رأى الابتلاء يصيب اخاه المسلم من مصائب، ولو كانت بسبب معاصيه أن يدعو الله له، لا ان يفرح بما وقع له من الابتلاء، ولا يشمت به، فهو لا يأمن من ان يقع له مثل ما وقع لاخيه ففي الحديث (لا تظهر الشماتة بأخيك فيرحمه الله ويبتليك) وقد رأينا مثل هذا يقع لبعض الشامتين فسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من جهد البلاء ودرك الشقاء وشماتة الأعداء واليوم رآى كثيراً من الناس ما أن يعلن بمصيبة مسلم الا وجرى على لسانه وقلمه الفرح بما وقع لبعض المسلمين بل والتشنيع عليهم، والاشد خطورة ان يساعد هؤلاء على القاء التهم بمن لا يزال يحقق فيه، ولم يحاكم بعد ويتطوعون بتقديم قائمة تهم قد لا يعلم بعضهم عنها شيئاً، ولاتزال القضية منظورة في مرحلة التحقيق ولم تصل بعد للقضاء، والتهم كما نعلم قضاء بريء ما لم يحكم عليه، فليحمد الله هؤلاء على السلامة، فان فرحوا بمصائب إخوانهم وقد تكون عقوبة الله لهم بمثل ما اتهموا به إخوانهم فلندعوا للمسلمين بالخير ما استطعنا الى ذلك سبيلاً، اما من أذنب وثبتت عليه التهمة فهو المفرط في حق نفسه، حمانا الله من كل التهم والذنوب، وحفظنا الله منها ومما يترتب عليها. ص ب 35485 جدة 21488 فاكس 6407043 [email protected]