"لجدة " حديث طويل مع الفنون التي ارتبطت بها و" جدة " حين يسكنها البهاء والجمال واللغة البكر فهي بلا شك تنقش لوحة غنائية فاتنة تعانق البحر وترسل حديث مجالس السمر التي اشتهرت بها حواري جدة القديمة حيث كانت تتنفس البحر والفن . ومن هذه الفنون الخالدة " المجس " وهو فن عريق حافظ عليه الكثيرون من أهالي جدة ، وحرصوا على توارثه وأن يعلموه لأبنائهم وأحفادهم ، وهو فن يُقدم في المناسبات السعيدة كالزواجات ومناسبات " الملكة "عقد القران، و" السابع " وهو الحفل الذي يقام حين يبلغ الطفل يومه السابع، والمجس فن إنشادي ذو طابع تراثي تقليدي يمنح المناسبات نكهة جميلة، لقد عرفت حارات جدة القديمة هذا الفن .. ومنها حارة " اليمن " وحارة " البحر " وحارة " الشام " و"المظلوم " . والمجس الذي اشتهر به الحجاز وعرف " بالحجازي " هو فن تراثي جميل معروف في منطقة الحجاز وحدها وله وقع مؤثر في النفوس ، وقد عُرف الشخص الذي يؤدي فن " المجس " " بالجسيس " ، والجسيس لابد أن يجيد أسياسيات وقوانين ونظام وطرق أدائه الفذة التي ينفرد به أهالي منطقة الحجاز كافة وقد لا يختلف عن طريقة أداء ما يسمى بالموال في بعض البلدان العربية لأنه يستميل قلوب المستمعين كما أنه لا يختلف عن طريقة أداء الأناشيد الإسلامية ، إلا أنه يختص بأداء جداوي فريد ، فيقال في المجس ( يالال ) على خلاف ما يقال في الموال ( ياليل ) ولهذا أكتسب طابعاً تراثياً وإحساساً خاصاً بأنواع العواطف الجياشة ، كما هو حال الإحساس الذي تحمله أنواع المقامات العربية ، ومن المقامات التي يؤدي عليها " المجس " الحجازي ، مقام " الحجاز " ، و "يماني حجاز " المنايري أي الطبقة العالية ، ومقام ( البنجكة ) وأن كان ليس من مقامات الأفراح إلا أنه يؤتي به لتغلب الأداء عليه ، ومقام " الحراب " وهو فرع عن الرصد أو الراست ، فهذه المقامات هي في الغالب ما يؤدى عليها " المجس الحجازي "، أما سائر المقامات فتؤدى في مجالس أخرى غير مناسبة ( الملكة ) كمقام ( الصبَا ) الذي يحمل كثيراً من معاني الحزن والأسى ، حسب ما ذكر في كتاب صور من تراث مكةالمكرمة في القرن الرابع عشر هجري للمؤلف الصديق عبدالله أبكر . وهناك أسماء عديدة ممن أجادو أداء فن المجس في منطقة الحجاز منهم من هو على قيد الحياة ومنهم من أنتقل الى رحمة الله أمثال المرحوم عمر باعشن ، عبدالرحمن مؤذن ،حسن جاوه ، سعيد أبو خشبه ، محمد أمان ، حسن لبني ، صالح عمر ، إبراهيم بخاري وغير هم كثيرون. ويعتبر (الجسيس ) من المظاهر والعادات القديمة الجميلة التي يحرص أهالي جدة وأهالي الحجاز عموماً أن يكون متواجداً في جميع مناسباتهم وخصوصاً الأفراح وكان أهل العريس حينما يتجهون إلى أهل العروس ومعهم الجسيس يحملون معهم الأتاريك والفوانيس للإضاءة، ورغم توفر الإضاءة اليوم إلا أن هذه العادة لا تزال موجودة وهي حمل الأتاريك والفوانيس، كذلك كانوا مجسمات على شكل يحملون السنبوك والسفن أو البابور أوالباخرة الخشبية وهي عبارة عن رمز لعبور بحر السعادة والانتقال من مرحلة العزوبية إلى المرحلة الزوجية . ولما لهذا الفن من عشاق ومؤيدين في الوقت الماضي والحاضر ، وقد أتجه العديد من الشباب في زمننا الحاضر الى تعلم هذا الفن في الوقت الحالي وذلك للمحافظة على الفن من الانقراض والنسيان . همسه : من الأبيات الشعرية التي يشدو بها الجسيس : سبحان من جمع القلوب بفضله وعلى رحاب الود عمر دارها طاب اللقاء وزاده تشريفكم في ليلة قد أشرقت أنوارها [email protected]