معظم متع الحياة محظورة اختيارياً على البعض ليس لأسباب عقائدية أو فقهية ، فالمحرمات محدودة ومنصوص عليها ولا تحتمل سوى التسليم ، إنما بقية المتع التي أعنيها هي تلك التي ليس بينها وبين استمتاع الفرد بها أيما حائل سوى عادات المجتمع وأعرافه ، يقول أحد الأصدقاء إنه لا يستطيع أن يأخذ راحته في اللبس إلا إذا سافر بعيداً عن أعين أهل القرية التي يرى معظمهم أن لبس البنطال أو الخروج بين الناس بلا شماغ من خوارم المروءة ، لذا فهذا النوع من اللبس بالنسبة له محرم حرمة مطلقة طالما كان بينهم ، وهناك من يعشق التصوير وحمل الكاميرا لكنه يعجز عن حملها والسير بها بين سكان قريته رغم تعلقه بهذا الأمر ، وآخر سمعته بنفسي في إحدى المصحات الأوروبية ، حيث أوصاه الأطباء باستخدام عصاتين للمشي للتقليل من الضغط على فقرات ظهره ، فأبى بحجة انتقاد عشيرته وسخرية أصدقائه ، لذلك قلت في بداية الكلام أننا في مجتمعاتنا وفي ظل هيمنة الأعراف بها نحرم أنفسنا من أشياء كثيرة تجلب الراحة أو السعادة أو المتعة . في الحقيقة ، لا أحد يشعر بالبؤس من الحرمان كشعور المحروم نفسه ، ولا يشعر بالملل كما يشعر المجبور ، فالذي يرتاح في هندام الشماغ لا يشعر بضيق من لا يطيقه ، والذي يندمج في روتين الحياة الجمعية حوله يفعل كما يفعلون ويتحرك كما يتحركون لا يدرك الملل الذي يجثم على صدر المجبورين على ذلك ، وهنا تكمن المخاطر الصحية والنفسية ، فالكثير من حالات الاكتئاب والانطواء والانفصام والفوبيا سببه الإكراه الذاتي القسري ، تكره نفسك بالقيام بما لا تود القيام به إرضاء لمجتمعك ، وهكذا مع اللبس والأكل والنشاط ، لذلك لا مفر من المواجهة مع العادات التي ترى أنها بالنسبة لك سلبية ، ولا علاقة لك بما يراه غيرك فيها ، البس ما تحب وكل الطعام الذي تستسيغ ، ومارس هواياتك واستمتع بنشاطاتك ولا تخش أحد غير الله ، ستتألم من السخرية والاستهجان في البداية لكنهم سيعتادون ذلك منك في نهاية المطاف ، وربما سبقوك لكثير من الأمور حينما يرون انعكاس ذلك على صحتك وبهجتك . إن الذين يفعلون ما يحبون لن يشعروا مطلقاً بأي ملل ، لقد اختاروا العيش في برزخ السعي الدؤوب للخروج من قوالب العادات والاعتيادات ودوامة الرتابة ، يسابقون أعمارهم قبل أن تضيع من قلوبهم حساسية الشغف والدهشة والمفاجأة . Abha/Tanouma61899 /P.O:198 [email protected]