الحقيقة أن المعلم المتميز لن تجده مطلقاً ذلك الحجر الأصم في منتصف الطريق بين الطالب وهواياته في إطار الأنشطة المدرسية ، بل على العكس كلياً ، فما من معلم رأيته مؤثراً وصادقاً ومخلصاً في عمله إلا ورأيته أول الداعمين لكل الهوايات والفعاليات الطلابية ، إن شارك الطالب في منافسة باسم المدرسة كان له السند والعكاز والظهير ، لا يؤلبه على نشاطه ، ولا يحقّر في عينيه مهمته ، ولا يؤنبه إن غاب عن درسه جراء ذلك ، إنما يؤيده بكل كلمات التشجيع ، ويعظّم في عينيه ما هو مقبل عليه ، ويمطره بكل عبارات السكينة والاطمئنان على ما فاته من شروحات ودروس ، لأنه يدرك تماماً أن المدرسة ليست محتوى يحفظ ، أو مسألة حسابية تفهم ، إنما أشمل من ذلك بكثير ، المدرسة بيت لشتى العلوم ، وشرفة تطل على كل الفنون ، ومساحة للود وبناء العلاقات ، وقنطرة آمنة نحو القيم الفاضلة التي بها تزدهر المجتمعات وتتمايز الأمم ، وما قاعة الدرس إلا مجرد ركن فيها ، لكنها أبداً لم تكن أهم من بقية الأركان ولن تكن أبداً أقل منها . صحيح أن المحتوى المنهجي رافد للمعرفة في ذهن الطالب ، لكن الطالب في نفس الوقت ، ليس مجرد وعاء ذهني بلا وجدان أو روح ، فكما لذهنه حق الفهم والتحليل والحفظ ، فإن لروحه كذلك حق الترويح والبهجة والمنافسة ، ولوجدانه حق التعبير والمشاركة والإشباع ، لذا نجد هنا ؛ وفي هذه المنطقة الإدراكية الشاهقة بالذات ذلك المعلم المتميز الذي حدثتكم عنه ، أما ما دون هذه المنطقة فلن تجد سوى المسوق للملل الدراسي ، نصير الرتابة في التعليم ، المبتلى بضيق الأفق تجاه النشاطات اللا صفية ، لا يضرب حساباً لأي شيء يسمو بروح الطالب أو يجدد من فاعليته ، إن أظهر الطالب ميلاً لنشاط معين سخر منه ، وإن رشحته المدرسة لمنافسة معينة ضيّق عليه الخناق ، وهدده بعدم إعادة الشرح له ، وربما ألب عليه بقية المعلمين ليهد عزيمته ، ويكسر في نفسه مشاعر الفرحة بذلك الترشيح ، قد يتصور أنه بهذا يحرص على مستقبل الطالب ، لكنه في الحقيقة لا يكسر عنق المستقبل وحسب ؛ بل وظهره وكلتا قدميه ليغدو كسيحاً مشوهاً كعقله تماماً ، فأي مستقبل هذا الذي يحرص عليه وليس فيه حس للمنافسة ، ولا جذوة للتعبير الذاتي ، أو حتى تنمية للمهارات الشخصية ؟. Abha/Tanouma61899 /P.O:198 [email protected] مرتبط