معظم متع الحياة محظورة اختيارياً على السعوديين ليس لأسباب عقائدية أو فقهية ، فالمحرمات محدودة ومنصوص عليها ولا تحتمل سوى التسليم بحكمها ورأي الشارع بها ، إنما بقية المتع التي أعنيها هي تلك التي ليس بينها وبين استمتاع السعودي بها أيما حائل سوى عادات المجتمع وأعرافه ، يقول أحد الأصدقاء إنه لا يستطيع أن يأخذ راحته في اللبس إلا إذا سافر بعيداً عن أعين أهل القرية التي يرى معظمهم أن لبس البنطال أو الخروج بين الناس بلا شماغ من خوارم المروءة ، لذا فهذا النوع من اللبس بالنسبة له محرم حرمة مطلقة طالما كان بينهم ، وهناك من يعشق التصوير وحمل الكاميرا لكنه يعجز عن حملها والسير بها بين سكان قريته رغم تعلقه بهذه الهواية الشبابية ، وآخر سمعته بنفسي في إحدى المصحات الأوروبية ، حيث أوصاه الأطباء باستخدام عصاتي المشي للتقليل من الضغط على فقرات ظهره ، فأبى بحجة انتقاد عشيرته وسخرية أصدقائه ، لذلك قلت في بداية الكلام إننا في السعودية وفي ظل هيمنة الأعراف المجتمعية نحرم أنفسنا من أشياء كثيرة تجلب الراحة أو السعادة أو المتعة . في الحقيقة ، لا أحد يشعر بالبؤس كما يشعر به الواحد منا ، فإن لم نتحرر من عاداتنا السلبية وأعرافنا القديمة فلا مفر لنا إذن من جاثوم الملل, سنلبس ما لا نحب ، وسنأكل ما لا تستسيغ ، وسنتوارى بهواياتنا خلف الحياة العامة حتى لا يرانا أحد ، وسنتألم أكثر في مقابل النوء بالنفس عن سخرية الآخرين . بالتجربة تمتلئ حياتك بالحيوية والقصص والسعادة بغض النظر عن نتائجها المادية عليك ، فالذين يفعلون ما يحبون لن يشعروا مطلقاً بأي ملل ، لقد اختاروا العيش في برزخ السعي الدؤوب للخروج من قوالب العادات والاعتيادات ودوامة الرتابة ، لا يدرك ذلك سوى أولئك الذين يعيشون حياتهم قدر جهدهم في رحاب المحاولات قبل أن تذبل مشاعرهم ، يسابقون أعمارهم قبل أن تضيع من قلوبهم حساسية الشغف والدهشة والمفاجأة . Abha/Tanouma61899 /P.O:198