في العام 1997 كانت سياسة قطر متفردة بمهاجمة المملكة العربية السعودية ودوّل الخليج الاخرى ومصر وكانت تتدخل في شئون الغير وكأنها دولة كبرى ذات ثقل وفعل متناسية واقع محدودية حجمها وحضورها التنموي وتجربتها الانسانية .والسبب الرئيسي لهذا السلوك العدائي يعود للخارجية القطرية آنذاك والمراهقة السياسية لوزيرها حمد بن جاسم وعنترياته وتصريحاته وأستهدافه المملكة ومصر وغيرها من الدول العربية. وكنت حينها أكتب عمود يومي بعنوان مصابيح يتناول الشأن العام وموضوعات إجتماعية وتربوية مختلفة .وكنت متابع لتصريحات حمد بن جاسم ويحزنني مايقوله ويفعله ضد وطني من طيش وتهور .فكتبت مقالا بعنوان التضخم وكان يفترض نشره يوم الاثنين ولكن الصفحة تأجلت بسبب الإعلانات ثم نشر يوم الاربعاء وخلال هذين اليومين تحركت الحكمة السعودية المعتادة للملك عبدالله رحمه الله والذي الرئيس حسني مبارك وحمد بن خليفة لعقد مصالحة في الرياض وتم وصولهما يوم الاربعاء وهو يوم نزول المقال المؤجل فاستغل القطريون ذلك فورا وتم إطلاع المقال للملك عبدالله الذي غضب من الجريدة وأمر بإيقافها لان التوقيت كان سيّء جدا . وكان الإجراء المعتاد أن توقيف الكاتب أو رئيس التحرير دون الجريدة لكن الذي حصل أن الجريدة وهي الصحيفة الأقدم في المملكة (البلاد) تم إيقافها ولعدة أيام. وتوتر الوضع عندي وكنت حينها مديرا عاما للإعلام التربوي في وزارة التعليم وقد رفع لي الدكتور محمد الرشيد رحمه الله ترشيح لمجلس الوزراء للترقية للمرتبة الرابعة عشرة بنفس المسمى وكان يفتخر بأن هذا أول مسمى في العالم العربي وإعتراف بأهمية الاعلام التربوي وفائدته للتنسيق والمواءمة بين التربية والاعلام .وقد أثر ذلك على ترقيتي وتم تأجيلها فحصل لي كرب عظيم وحزن شديد وضيق وذهبت للدكتور الرشيد في مكتبه أطلب الدعم والشفاعة فاعتذر بان الامر يتعلق بالملك وكان حينها وليا للعهد وأنه لا يستطيع عمل شيء . وذهبت لعدد من كبار المسئولين وأعتذروا كذلك لخطورة الوضع. وبعد عدة أيام عادت صحيفة (البلاد) للصدور وأستمر وضعي معلقا . وبعد فترة من الزمن تذكرت الرجل الشهم معالي الشيخ عبدالعزيز التويجري نائب رئيس الحرس الوطني المساعد وكنت على معرفة وصلة به وأزوره في منزله وأمارس السباحه معه ومع أولاده ومنهم معالي الاستاذ خالد التويجري وذلك بسبب ان الحرس الوطني كانت الجهة التي تعينت بها بعد تخرجي من الجامعة وكنت حينها متعاونا مع جريدة الرياض فأدى ذلك الى تعرفي بكبار مسئولي الحرس الوطني وتوطدت العلاقة معهم بإجراء المقابلات الصحفية وزيارتهم في مكاتبهم والعمل في كلية الملك خالد العسكرية وكنت ولله الحمد أجد التقدير والتشجيع والدعم منهم وعلى رأسهم صاحب السمو الملكي الامير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز وزير الحرس الوطني حاليا. فبلغته هاتفيا بالمشكلة وكان ودودا ومستمعا بخبرة رجل الدولة ومعرفته بالظروف وشهامته كرجل مواقف وطلب مني مراجعة معالي الاستاذ خالد التويجري في مكتبه في منزل الشيخ بعد صلاة المغرب وذهبت حسب الموعد ووجدت الاستاذ خالد وأستقبلني بلطفه المعهود وطمأنني بأن الموضوع سيعالج ويبدو أن والده تحدث مع الملك عبدالله رحمهما الله وكان الاستاذ خالد متفهما ومتجاوبا وفِي بداية عمله سكرتيرا خاصا للملك عبدالله وسألني اذا كان لي معرفة بمعالي الاستاذ صالح الخصيفان مدير عام المباحث سابقا شفاه الله فقلت له لا فقال بان تقرير المباحث كان إيجابيا في حقك وأثنى عليك وعلى جهودك الاعلامية وكان تبريرهم مقنع للمقال وأن الملك عبدالله أخذ بوجهة نظرهم وأنهى الموضوع وطلب مني مراجعته في الديوان الملكي غدا . وفعلا ذهبت له في مكتبه وأتصل على وزير الاعلام وأبلغه برفع الإيقاف وإنهاء الامر فكانت تجربة تعلمت منها نبل جهاز المباحث وحرصهم ووطنيتهم وأمانتهم حيث الكتابة بشكل بعيد عن الشخصنة لا كما يحدث أحيانا عندما تناط الأمور في بعض دول العالم الثالث الى أناس إصحاب مصالح ومزاجيين ويفتقدون لحس الأمانة والعدالة فتكون تقاريرهم تبعا للأهواء الشخصية وليس أمانة المنصب والعدل مع الناس وهنا أذكر جهود الاستاذ عبدالعزيز الهزاني مدير الشئون الاعلامية في المباحث آنذاك والذي له دور ومواقف نبيلة مع عدد من العاملين في الحقل الاعلامي حيث الحكمة وتقريب وجهات النظر . ثم في يوم الاحد قبل جلسة مجلس الوزارء طلب مني الدكتور محمد الرشيد بالذهاب معه للملك عبدالله والسلام عليه فذهبت وقدمني له وأبديت إعتذاري وكان قد مر على الحدث فترة من الزمن وكان رحمه للله مبتسما وطمنني بان الموضوع سينهي في جلسة الغد وفعلا صدرت ترقيتي كما رفعها معالي الدكتور محمد الرشيد رحمه الله. وبعد أشهر من ترقيتي تشرفت بطلب سمو الامير نايف رحمه الله للعمل في وزراة الداخلية وكان الشرف الكبير لي بالعمل بقرب سموه . ولهذا فان السياسة القطرية منذ ذلك الزمن وهي تراوغ وتستهدف المملكة وبحمدلله تم كشف ذلك وتم قطع العلاقات وإعلان قوائم الارهاب وثبات دعمها لاعمال تهدف لزعزعة أمن دول الخليج الاخرى والسلام الإقليمي والعالمي . كما أن الأحداث الحالية التي أدت الى قطع العلاقات مع قطر تدل على أن السياسة القطرية لم تتغير منذ ذلك الزمن ومع تغير الحكومة السابقة فهي استمرار لسياسة حمد بن جاسم منظر السياسة القطرية . وفيما يلي نص المقال الذي نشرته البلاد بتاريخ 3/شعبان/1418 الموافق 3/ ديسمبر /1997 بعنوان: ( التضخم ) من الأمور الأصعب أن يعطي الإنسان لنفسه أكبر من حجمه أو أن يفكر بطريقة يتوهم فيها ضخامته وهو أقل من ذلك بكثير .. وعن ذلك أحاديث وزير خارجية قطر في مؤاتمراته الصحفية .. فهو لا يعطيك انطباعا بأنك أمام وزير خارجية لدولة عضو في الأممالمتحدة .. وإنما أمام متحدث لأحد الأندية الرياضية يصرح بسبب خسارة فريقه بأن الحظ والجمهور وارضية الملعب والتحكيم هي السبب في ذلك .. ولم أجد مواقف واضحة وأسبابا مقنعة لتصريحات وزير خارجية قطر التي تتعدى حدود الأعراف الدبلوماسية حتى سبب حرجا كبيرا لبلاده وخلق أزمات كثيرة .. مع الكويت والبحرين وعمان والشقيقة الكبرى الأم المملكة العربية السعودية .. ومع الإمارات واخيرا مع مصر وغير ذلك كثير .. وأفضل تعليق سمعته هو ما قاله الشيخ زايد بحكمته وخبرته الطويلة في أن طالب قطر بإيقاف مثل هذه التصرفات وان الدول بحاجة إلى رجال حكماء للحديث والتفاوض والنقاش .. ولأن قطر عزيزة علينا .. ودولة لها مكانتها واحترامها وتقديرها .. والاعتذار فإن تصريحات وزير الخارجية وتهجماته لاتخدم العمل العربي المشترك .. ولاتخدم التعاون والتفاهم العربي المطلوب لأن هناك طرق أكثر بلاغة وأفضل حنكة وحصافة من الممكن ان تفي الغرض دون أن تخلق كل هذه الصدامات والأساليب غير المقبولة ..