صنف العلماء الجهل إلى صنفين : الجهل البسيط : وهو عدم المعرفة بالشيء ,وإذا طرح عليه سؤال لا علم له به يرد : لا أعرف .. وأما الجهل المركب : فهو يكون للجاهل البسيط الذي أصرّ على جهله ولم يتعلم ويدعيّ بأنه عالم لكي يخفي جهله . وصاحب الجهل المركب دائماً تراه مخالفاً لكل علم لا يعرف عنه شيئاً ,فيهاجم صاحبه بدون علم وبلا دليل ولا قرينة ,ويكيل له الاتهامات جزافاً ليكشف أمام أهل العلم عن عورة جهله المركب ,فكل من ادعى أنه يعلم وهو جاهل فهذا مصاب بمرض الجهل المركب ، وترى جداله ونقاشه عبارة عن مواضيع إنشائية خالية من النقاش الموضوعي وخالية من الأدلة التي تصدق ما يقول والسبب هو أنه خالي الوفاض من العلوم التي يتكلم بها ويا ليته يبقى صامتاً ليتعلم أو لا يعترض على علم لم يصل إليه بل يفضح نفسه باعتراضه ولا يكسب في هذه الجولة إلا فضح جهله المتأزم بقرارة نفسه. إنه يبحث عن مكانة مرموقة بالمجتمع العلمي ولكنه بدل أن يبذل الجهد والوقت للتعلم يقضي وقته لتصيد الآخرين ظنّاً منه أن هذا الأسلوب يجعله عالماً ومشهوراً ونسي بأن أصدق العلماء كانوا مغمورين في حياتهم متواضعين لله لا يبحثون عن شهرة ولا مكانة بين الناس بل هدفهم هو نفع الناس ليس إلا ولكن تأتي شهرتهم بعد وفاتهم وانتقالهم من دار الفتن والابتلاء إلى دار القرار مع النبيين والشهداء وترى هذا الجاهل دائماً يتهم الآخرين بما تشتهيه نفسه من شهرة وجاه وعلاج هذا المرض المزمن عسير ولكنه ليس مستحيل ,لو جاهد نفسه وصدق بنواياه وجرد مواهبه وموارده وإمكاناته بتجرد عن هوى نفسه . هذا المرض متفشٍ في المجتمع العربي ومما زاد من ظهوره وانكشافه وسائل التواصل الاجتماعية,فقد حسرت هذه البرامج عن نوعية العقول جاهلها وعالمها,من يملك المعرفة ممن يفتقر إليها ,ويظن البعض من هؤلاء المرضى بأن أخذ آراء ونظريات الآخرين (نسخ ولصق) يجعل منهم علماء في موضوع ما وهذا لعمري هو تأزم الجهل المركب في هؤلاء المساكين وأعتقد جازمة بأن هذا المرض نفسي وخطير مما يشوش على منظومة المنهج العلمي الصحيح , قال الشاعر وأظنه شخّص هذا المرض بدقة بل وشرحه أيضاً ببلاغة ببيت شعر واحد فقط : لمّا جهلتَ جهلتَ أنّكَ جاهلٌ جهلاً وجهلُ الجهلِ داءٌ مُعضلُ ولقد تكلم في تصنيف هذا الجهل كل من شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه النجيب ابن القيم "رحمهما الله تعالى" ومن أراد التوسع في الشرح فليقرأ كتاب : (التفسير القيم ) لابن القيم صفحة 380 – 389 . وهذا المرض خطير على النفس وعلى المجتمع وعلى أبناء هذا المريض أيضا ، وعكس الجهل العلم وقد قال أحد العلماء (ولا ضير إن لم أذكر اسمه أو أنه غير مشهور) قال : كلما ازددتُ علماً ازددت جهلاً … ويقصد كلما توسع في دائرة علمه كلما شعر بضحالة معرفته ,والعلم معرفة ويبعد عن الجهل وقال آخر : إنّ كل كتاب أقرأُه ماهو إلا نافذة أطلُّ بها على جهلي. ومن يكون عالما يكون متواضعا ولا يتكبر ولا يتجبر ولا يظن بأن ما لديه هو العلم الصحيح وأن ما لدى غيره باطل قال تعالى : ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ) الإسراء … هذه الآية لكي لا يصيب من عنده علم بالغرور وليعلم العالم بأنه طالب علم وليس بعالم لقوله تعالى : ( وفوق كلُّ ذي علم عليم) ,أي هناك من هو أعلم منك فلا يغرنّك بالله الغرور وتظن بأن لديك شيئاُ . وما قصة سيدنا موسى عليه السلام ببعيدة عنا في سورة الكهف , درس بالغ الأهمية لكل من يتصدر مجلساً ويدعي فيه بأنه عالم فإن سيدنا موسى رغم علمه وهو نبي مرسل فقد قال للعبد الصالح بكلّ تواضع : ( هل اتبعك على أن تُعلمّنِ مما علمت رشداً ) نبي وله مكانته عند الله جاء إلى عبد من عباد الله بتواضع ليصبح تلميذاً ( أتبعك) ولم يذكر القرآن الكريم اسمه بل اكتفى بتعريفه لنا بأنه عبد من عباد الرحمن ولكن من جملة الذين اجتباهم الله من عباده فقال عنهم في آية أخرى : ( عباد لنا ) وهنا نسب عبوديته الخالصة لله فوصفه ب : (عبداً من عبادنا) : ( فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنّا علماً ) . اللهم إنا نعوذ بك من علم يُجهّلنا بك ونسألك العلم الذي يقربنا إليك. مرتبط