يحكى أن صياداً ماهراً كان شديد المثابرة في مهنته .. يخرج قبل ساعات من شروق الشمس ولا يعود إلا في ساعات متأخرة من النهار ، ولكنه بالرغم من ذلك كانت أوضاعه المالية سيئة !! ، بينما بقية صيادي القرية كانوا يتطورون الواحد تلو الآخر .. أي أن معظمهم تحول من الصيد بالسنارة إلي الصيد بالمراكب الشراعية ، هذا الأمر أثار حفيظة بعض أصدقائه ، كانوا يشعرون أن ثمة خطبا ما وراء بقائه على هذه الحال لا علاقة له بوفرة السمك في البحر أو في مدى مهارته في الصيد ، فرأوا أن من واجبهم التقصي عنه ، وفي يوم من الأيام انتدبوا أحدهم ليرافقه أثناء الصيد لينظر في أمره عن كثب لعله يكتشف السر ، وبينما كان المندوب يجلس إلى جوار الصياد في قاربه يتلصص عليه من دون أن يشعر ، رأى أنه كلما علق في سنارته سمكة قرّبها من قطعة خشبية كانت موجودة بالقرب منه ، فإن كانت في مستوى طولها أو أقصر منها احتفظ بها ، وإن كانت في مستوى أطول أعادها للبحر مرة أخرى ، واستمر على هذا الحال حتى ثارت حفيظة المندوب ، فصاح به : أيها المجنون .. ماذا تفعل ؟ لماذا تعيد السمك الكبير للماء ولا تحتفظ سوى بالسمك الصغير ؟ فالتفت إليه وقال : لماذا احتفظ بسمك كبير وأنا أعلم أني لا أملك سوى مقلاة صغيرة ؟ هنا مكمن مشكلاتنا جميعاً وإن اختلفت المهام والأماكن والأدوات ، لكل منا في ذهنه مقلاة صغيرة تقيده ، أو هكذا يظن ، فالبعض منا يتوقف عند محطة ما من حياته آثراً البقاء عندها بدعوى أن هذه هي إمكاناته وليس في الإمكان أفضل مما هو كائن ، فذاك شاب تخلى عن مواصلة تعليمه لأن المقلاة الصغيرة في ذهنه تقول هذا حدك.. وذاك شاب تقاعس عن دخول ميدان العمل وضيع على نفسه فرصة التكسب الحلال لأن المقلاة الصغيرة تقول بدنك ضعيف .. أو هذا عمل مخز أو لا تستعجل فقد تجد ما هو أفضل ، وهنا موهوب استسلم لأن المقلاة الصغيرة في رأسه لم تزل تهوّل في ذهنه تهكمات مجتمعه وتخوفه من عواقب سخريتهم واستهزائهم إلي أنتهى به المطاف خالياً من أحلامه ومتنازلاً عن تحقيق طموحاته ، والقائمة تطول بالطبع ؛ لأن أغلب الناس يستثنون أنفسهم دونما إدراك أنهم على رأس تلك القائمة ، حتى الاستثاء ذاته مقلاة صغيرة ، فإذا كنت تشعر أنك قد وصلت لما يفترض بك أن تتوقف عنده بعد أن وصلت إليه فذاك استسلام بلا شك لقيد مقلاتك الصغيرة التي أقنعتك بذلك ، وإلا فالإنسان طالما به عرق ينبض وخلية تتنفس فإن عليه أن يبقى متطلعاً للمزيد ، هكذا يكون معنياً بالحياة ومستحقاً لفضيلة عمارة الأرض ، فالعزائم لا تشيخ إلا لدى من يقيسها بمقلاة القنوط في نفسه ، فكم من امرئ لم يبق بينه وبين محطته المنتظرة سوى خطوة واحدة استحالت على حين غرة من إرادة إلي عمر كامل من اليأس والقنوط ، تلكم هي أوجاع المقلاة لدى معظمنا .. حتى أنت .. أليس من المفترض أن تكون الآن في وضع أفضل لولا مقلاتك؟ إذن ما الذي تنتظره ؟ تخلص منها وانطلق. @ad_alshihri [email protected]