قصة «موسم الكنة» إحدى الحكايات التي تميزت بها جزر فرسان منذ الأزل، فما إن تنتهي حكايات فرسان بوصفها مهرجان صيد سمك الحريد، وموسم جني البلح، ومحميات الغزلان، وصفاء بحارها النقية، حتى يبدأ «موسم الكنة»، الذي يتميز بهجرة سمك «الكنعد»، الذي يسمى باللهجة المحلية «الضيرك» بوصفه أفضل أنواع الأسماك في جازان وأغلاها. حكاية صيد الكنعد تبدأ مع غروب الشمس بعد الإفطار كل يوم، على مدار 40 يوماً، مضى منها كثير، كما يحكيها لنا الصياد ياسر محجب ورفيقه محمد، الذي يشير إلى أن «موسم الكنة» تحتبس فيه حركة الريح المعهودة بسبب التغيرات العامة في الطقس والأجواء» ويحتفظ ببعض مظاهره، فلا تسكن حركة الرياح وإنما تصاب بهدوء نسبي وزيادة درجات الحرارة عما قبلها من المواسم، وذلك في معظم أيام موسم الكنة. وقال: «أسماك الكنعد تتكاثر في شواطئ فرسان بسبب هجرتها ووضع بيضها بكميات هائلة، ما يغري السكان بالخروج لأجل الصيد، وكل صياد يرضى بما قسمه الله من السمك، فالبعض يصطاد من خمس إلى 10 سمكات، وآخر لا يستطيع صيد سوى سمكة واحدة»! «الحياة» رافقت الصياد ياسر ورفيقه محمد في رحلة صيد بحرية بدأت مساء «الأربعاء» الماضي مع غروب الشمس، بعد أن تناولا طعام الإفطار في قاربهما، إذ بدأت الرحلة بتجهيزات الفريق من معدات الصيد وتجهيز طعام الإفطار والمشروبات، من عصيرات وماء وشاي، وإكمال تصريح الإبحار من حرس الحدود، كي يضمن سلامة من في المركب، والمواقع التي سيتم زيارتها. وبعدها انطلق مركب «عاصفة البحار» من مرسى الصيادين بجزيرة فرسان، واتجه نحو جزيرة «دمسك» الواقعة جنوب غرب جزيرة فرسان، واستمر الإبحار نحو 45 دقيقة، مروراً بجزيرة «سلوبا» و«قماح»، إلى أن ظهرت إنارات بيضاء في مواقع متفرقة، تظهر للمشاهد للوهلة الأولى على أنها منازل متناثرة، وعند الاقتراب منها اتضح أنها عشرات من قوارب الصيد المتفرقة، «كل يجرب حظه». وعلى بعد ثلاثة كيلومترات من أقرب قارب قام الصياد محجب المشهور ب«أبوعمار» بالتوقف والنظر إلى الأسفل ليستطلع الأمر، وبالاستفسار قال: «انظر! لأرى هل هناك شعاب مرجانية في الأسفل أم رمال؟ فالشعاب يكون لونها أسود وفيها رائحة نستطيع تمييزها؛ لوجود السمك فيها، وإذا كان اللون أبيض، ففي الأسفل رمال». وبعدها رمى ثقلاً حديدياً إلى الأسفل ليقيس مدى عمق المياه، الذي بلغ 60 متراً، وانتقلنا إلى موقع آخر أقل عمقاً، وصل إلى 48 متراً، ورمى المرسى في الموقع، وقال: «سمك الكنعد يمشي في أسراب على عمق ما بين ال20 وال30 متراً، ولهذا يتم رمي السنارات على عمق 30 - 40 متراً فقط في الليل، وهناك أسماك تعيش في العمق، ولكن رحلتنا هنا لأجل اصطياد سمك الكنعد». وأثناء الرحلة كانت نسمات هواء عليلة متوسطة وهادئة أشعرتنا بالانتعاش طوال الرحلة، وبدأت عملية الصيد، التي اصطدنا فيها ست سمكات متوسطة متنوعة، ولم تخل الرحلة من المتعة؛ فطيور النورس كانت تحيط بالقوارب من كل الاتجاهات على ضوء المصابيح التي يشعلها الصيادون باتجاه البحر، لكي يشاهد السمك الطعم ويأتي لأكله، ومن يشعر بالنعاس يأخذ غفوة في الهواء الطبيعي ويربط خيط السنارة بقدمه إلى حين الشعور بالسمكة التي اصطيدت، ويصحو لسحب السنارة إلى القارب. وقت السحور، بدأت رحلة العودة مع نسمات الهواء العليلة، وتلك الأنوار التي تضيء الجزر بينت لنا جمال الجزر التي مشينا حولها في طريق العودة. ويشير أبوعمار إلى أن هناك طرقاً عدة لصيد سمك الكنعد، منها الشباك، التي يصطاد فيها الصياد كميات وفيرة، والسنارات التي بها يتم صيد السمك حياً، ويسمى «الجلب»، والثانية تعد أفضل وألذ الأسماك التي تصطاد بها، لأنها تصطاد حية في الوقت نفسه، بخلاف الشبك الذي يتم إخراجها بعد 24 ساعة من صيده وتموت في الشباك.