يعتبر ديفيد سي ماكليلاند David C. McClelland (1917-1998م) الباحث الأمريكي في مجال علم النفس في جامعة هارفارد – رائدًا في مجال التفكير التحفيزي، وقد شرح في كتابه The achieving society الذي صدر عام 1961م ثلاثة أنواع من الاحتياجات التحفيزية المؤثرة على دافعية الفرد للعمل والإنتاج، وهي الحاجة للإنجاز، والسلطة والقوة، والانتماء والاندماج. يعرف ماكليلاند دافعية الإنجاز بأنها: "نظام شبكي من العلاقات المعرفية والانفعالية الموجَّهة أو المرتبطة بالسعي من أجل بلوغ مستوى الامتياز والتفوق". تعتبر الدافعية للإنجاز من أقوى الحوافز النفسية والبواعث الذاتية لإتمام العمل وجودة الإنتاج، ليس في بيئة العمل فحسب؛ بل في كافة المواقع والمواضع، ولجميع التصرفات والأعمال الذاتية والمتعدية. الدين الإسلامي المتلائم مع النوازع النفسية والملبي للاحتياجات الإنسانية – أكَّد على هذا المبدأ؛ بدعوة الأفراد والمجتمعات للجدية والفاعلية والإتقان والإحسان؛ للحصول على جزاء العمل وثمرة الأداء. التربية على الإنجاز، والحرص على الإتقان، والاهتمام بالإنتاج: له آثاره الحميدة، وفوائده الكبيرة على الفرد والمجتمع، والشعوب والدول، تتجلى في الأمور التالية: 1- القيام بالواجب وتأدية الأمر: ﴿ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195]. 2- الشعور برضا النفس، وطمأنينة القلب، وانشراح الصدر؛ نتيجة للاعتلاء والارتقاء في معالي الأمور. 3- إتمام وإكمال المصالح والمنافع الدينية والدنيوية المتعلقة بالنفس وبالغير. 4- تحقيق النزعة النفسية والرغبة الذاتية بالفوز والنجاح. 5- حصول البُشرى العاجلة بالمدح والثناء، والشكر والدعاء. 6- الوصول للهدف المنشود بإنجاز العمل وجودة الإنتاج، وخدمة الوطن ونهضة الأمم. 7- سيادة روح التضامُن والتعاون والتكاتُف والتآزُر بين أفراد ومكونات المجتمع. 8- الحد من مشكلة العطالة والبطالة، ومواجهة السلبية والانهزامية، ومقاومة الإهمال والفساد. 9- الوعي بحقيقة الحياة، وطبيعة الإعمار، ومقومات الاستخلاف. 10- التنافس الشريف والتسابق النبيل للوصول للهدف الأكمل والأمثل. 11- الاهتمام والاشتغال بمعالي الأمور وفضائلها، والانصراف والابتعاد عن رديء الأعمال وسَفْسافها. 12- تعزيز التفكير الإيجابي والطُّموح التفاؤلي بالقدرة والتمكُّن من الإصلاح والتغيير والتقدُّم والتطوير. 13- فتح نوافذ وآفاق، وتربية عقول ونفوس للموهبة والإبداع والاختراع والابتكار. 14- الإحساس بعِظَم الأمانة وقدر المسؤولية: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27]. 15 – استشعار المراقبة واستحضار المشاهدة من المولى جل وعلا: ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [التوبة: 105]. 16- نيل الأجر الدنيوي والثواب الأخروي: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]، والعمل الصالح عام يشمل جميع أنواع الإصلاح الديني والدنيوي. شيوع هذا المفهوم الفكري، وترسيخ ذلك الدافع النفسي عند المربين – سبب رئيس للعلو والارتقاء بالمتربين لأعلى المراتب، وأحسن المواقع، وأفضل الأحوال، وعامل فاعل للقضاء على الكثير من المشكلات والمعضلات التعليمية والتربوية والاجتماعية والحضارية. ومضة: عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: ((اذهب فاحتطب، ولا أراك خمسة عشر يومًا))، فجعل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فقال: ((اشترِ ببعضها طعامًا، وببعضها ثوبًا))، ثم قال: ((هذا خير لك…))؛ رواه البخاري. علي بن حسين بن أحمد فقيهي