كان ذلك العجوز يأخذ مكانه على – مركازه – متابعاً لما يجري أمامه من أحداث الشارع الطويل.. وفي يده – لي – شيشته الحمى.. واضعاً على رأسه "الطاقية" المنشاة ويده تحرك مؤشر الراديو البني الذي ألبسه "بثوبِ" منقط عندما اتاه ذلك الشاب قائلاً له:أرجو ألا أكون قد تأخرت عليك في المجيء اليك .. ابتسم "العجوز" قائلاً لابد هناك أمر أخرك فما هو؟. قال الشاب وهو يأخذ مكانه على الكرسي المقابل لكرسي العجوز.. تعرف أن الحياة تشابكت لم تعد سهلة.. اليوم ذهبت الى زيارة أبو محمد في المستشفى فلم أجده فقد قيل لي لقد خرج. فذهبت الى منزله وجدته "تعافى" عندما سألته لماذا خرج من المستشفى قبل أن يشفى تماما ؟.. قال من خلال نبرات صوته الحزينة لقد فوجئت بارتفاع فاتورة العلاج فخرجت. استمعت إليه وأنا غير مصدق أن يخرج لعجزه عن دفع الفاتورة.. وانا أعرف ابنه رجل الأعمال الكبير لماذا لا يقوم بدفع كل حسابه. قال الرجل العجوز ولهذا أنت حزين؟ قال الشاب نعم بكل الحزن. قال العجوز يا ابني لا تستغرب هذا فكثير من الابناء لا يعرفون واجباتهم أمام آبائهم. قال الشاب وهو يضرب بقبضته على طرف كرسي الشريط.. ياعم هذا ابوه.. وهو الذي يصرف المبالغ الكبيرة في صيف كل عام في خارج البلاد عندما يرحل إلى أوروبا ويغيب هناك لأشهر الصيف كلها. قال العجوز: لا تحزن فالدنيا مليئة بهذه الصور وأكثر فهل سمعت عن ذلك الثري الذي تخلص من أمه بأن ذهب بها الى مركز العجزة لتعيش هناك نزولاً عند اقتراح زوجته بذلك. قال الشاب كأنه صعق بما سمع: هل هناك مثل هذا يفعل هذا الفعل مع أمه هؤلاء ماذا تقول عنهم.. كيف تحترمهم؟ قال العجوز: اذهب الى مجالس اهل البلد فسوف تشاهد أمثال هذا يتصدرون تلك المجالس وقد تسمع منهم ما يعجبك في البر بالوالدين. قال الشاب معقول هذا؟ قال العجوز وهو يحرك مؤشر المذياع الى اذاعة لندن التي يحرص على سماع اخبارها أسمع الأخبار مقتل أكثر من ثلاثين في مسجد بتفجير واحد بحزام ناسف. لا حول ولا قوة الا بالله هكذا قالا في صوت واحد. قال الشاب هي الدنيا حصل فيها شيء لم نعهده من قبل ايه اللي غير الناس. رد عليه ذلك العجوز بحكمته المعتد بها: ما غير النفوس الا كثرة الفلوس. قال الشاب كيف ذلك؟ قال العجوز عندما كان الناس يكادون متساويين في دخولهم لا تجد أحدهم يتعالى على آخر فهم أبناء ظرف واحد لكن عندما أخذت "الفلوس" تظهر على بعضهم وراح هذا البعض يشعر بالتعالي على الآخرين بدأ هنا التنافر والتزاحم على الحصول على الفلوس أكثر ومن هنا بدأت العلاقات تتغير فأنت لا تصبح ذو قيمة إلا بقدر ما لديك من رصيد في البنك.. هكذا هم الناس الآن. صمت الشاب كأنه يعرف ذلك للتو واللحظة. فقال من خلال حيرته: يعني المثل اللي يقوله الناس صحيح. قال العجوز ما هو؟ المثل يقول اللي معاه قريش يساوي قرش. تعرف يا عم قال الشاب وهو ينظر الى البعيد ان فلاناً وأسماه باع بعض ما يملك لسد احتياجه . ولدى اخوه خير كثير قال العجوز: نعم الدنيا ما عاد فيها من أهل الشهامة والمعروف فأمثال هذا كثيرون في حياتنا نحن نتحدث عن العام وليس الخاص. قال الشاب بعد أن نظر الى ساعته: أريد الذهاب الى المستشفى لزيارة صاحبنا ابو أحمد الذي ادخل المستشفى البارحة. قال العجوز سلامته ما عسى ما شر! ابداً يقال عنده مغص كلوي. الله يعينه انه مغص "الجمال" سلم لي عليه بس قبل ما تذهب اليه.. عدي على بيته لابد انهم يحتاجون شيء من السوق. قال الشاب الله عليك يا عم لقد فاتتني هذه القضية. بسرعة وقف الشاب وركب سيارته وذهب الى ما قاله له – العجوز – وهو يتمتم في نفسه كم أنت رائع ايها الرجل العجوز.