عاد سالم وفي جعبته الكثير من الآمال والطموحات لم تكن فقط في حقيبته التي حوت شهادات عليا ومؤهلات تضعه في المقدمة .. ولم يمض وقت حتى ترشح في المكان الذي يوازي ما لديه من قدرات .. على عجل أنهى الاحتفاء الذي أقامته المؤسسة التي استلم زمام إدارتها ، ومضى متلهفا في شوق لتصفح الملفات التي وضعت للتو على مكتبه ! ابتسم حين رآها .. عظيم هذا الرجل وأي عظيم هو للصعاب جدير .. استوقفه أحد الملفات واستدعى مدير مكتبه واستفسر منه عن استفهامات قرأها بعين فكره الثاقبة .. ابتسم المساعد ابتسامة تعني ( ارتاح ) ! .. فهم سالم بعضا مما لا يود تصديقه .. لا يعقل هذه أكاذيب ! .. تطلع من النافذة للغد البعيد ، وزفر آه لم يسمعها سواه ! كان الحمل ثقيلا و كان الطموح أكبر .. كل شيء يمكن أن يتحقق في ميزان العدالة .. هكذا هي الحياة المنصفة الحكيمة ، لا مكان للعب والاحتيال ! هذه المثالية صارت طوقا يضيق عليه ورغم ذلك مازال يتمسك به .. تمهل حين تذكر حكاية مدينة الملح .. في طرقاتها بشر خانعين وضمائر مكممة ! ألحت عليه صورة البؤساء في الأزقة .. حين اشتكت الأماني فلم يسمح لها بدخول المدينة وبقيت خلف الأسوار تنتظر وأصابها العجز واهترأت .. وكأنما تخبره لا تتمدد كثيرا فلن تجد الغطاء ! حين قيل له في أرض الملح لا تكون الأماني سامقة ! هذه الحكاية لم يكن يحب قراءتها فضلا عن تصديقها .. لكنه هذه المرة أجبر أن يتأملها وأن يقرأ صفحات أخرى منها هي الواقع أيضا .. ليست رؤيتنا وحكمنا هي مفتاح فهمنا للحياة ، ثمة أمور أخرى هي مفاتيح قد تكون غالية الثمن ! .. همس له المساعد الفطن بأن يمرر هذه المعاملة و أن يكون ذكيا فالمفتاح بيده ! .. ضرب سالم الطاولة وقال لا أقدر ، هذا ليس مفتاحا هذا الإمضاء قفل أعجز عن حمله ! .. أغلق الملف وصمت طويلا .. ومضى الى النافذة وواصل طقوسه اليومية المعتادة في التأمل واسترجاع كل الأحداث ووضع أمام عينيه معنى التنازلات ومعنى اللاءات التي بحوزته ! ما يملكه لن يصمد طويلا .. روح الالتزام تأبى أن تتخلى عنه هي ما يصبغ كل فكره وتوجهاته .. روح مخلصة تحكم قبضتها عليه تستولي على كل رؤاه .. لا مكان للتخاذل والاحتيال ! .. لا شيء أمامك غير أن تبدأ من الصفر و أن تنفض غبار الزيف الذي امتلأت به رفوف المؤسسة .. شعر بالاختناق بالغبار الذي يكتم أنفاس الأمل لديه .. أيعقل أن تكون هذه مدينتي ؟! .. انحناءة الخيبة تطل بوجهها لتثقل عليه الرجاء ! .. لم يعد يحضر للمكتب مسرع الخطوات .. هذه الأيام صار متثاقلا يشعر بانقباضة وخز كلما طلب منه التوقيع والختم ! لم تعد الابتسامة تعلو وجهه .. نزل من سماء تفاؤله ولمس بيده قسوة الواقع .. استفاق مرغما من طموحه الزاهي ليرى العالم الرمادي .. طلب منه زيارة تفقدية لأحد المشاريع وحين وصل للمكان ورأى واقع الأوراق متجسدا بالصورة التي لم يحب قراءتها يوما .. لم يطل فيها النظر وغادر مسرعا .. في اليوم التالي دخل مكتبه وابتسامة ارتياح تعلو وجهه ، احتار فيها من حوله .. كانت تعني زوال الهم من ضميره .. لم يمض وقت طويل حتى غادر المكتب والمؤسسة تاركا ورقة مكتوبا عليها أعتذر عن إكمال ما أسند إلي ! [email protected] mtmyh1 @ رواء الكلم