هرولت حافية نحو المطبخ،وهي تحاول كفكفة دموعها بكم عباءتها البالية التي أصبحت ألوانها الباهتة جزء من الديكور اليومي للبيت. كان صوت زوجة عمها يلاحقها،وهي تصرخ فيها بأقذع أنواع السب،والأوصاف الجارحة. توقفت قليلا تستجمع أنفاسها،قبل أن تدفن نفسها بين كوم من الأواني التي كانت تنتظر يديها المشققتين من كثرة احتكاكها بالسوائل الكيماوية ،التي تستعملها يوميا. لو أرادت،لاستغنت عن استعمال الماء.فدموعها المنهمرة على خديها كفيلة بغسل كل خطايا البشر. حياة،فتاة في سن الزهور.كانت وحيدة أبويها،ومدللتهما.حباها الله جمالا لا يضاهيه جمال.لكن بقدر ما أعطاها القدر،بقدر ما سلبها أجمل ما تحتاج إليه شابة في مثل سنها.فقد شاءت الأقدار أن تفقد والديها في حادث مرور أليم،وفي مناسبة أصبح مجرد ذكرها يقذف بها إلى جحيم الذكريات. فذات ليلة عيد، وهي تحتل المقعد الخلفي للسيارة وبجانبها أثوابها الجديدة التي اقتنتها من أرقى محلات المدينة،بينما كان أبوها يقود السيارة بسرعة مفرطة تحت زخات المطر وهو يمازح زوجته على وقع أغنيته المفضلة (عودت عيني على رؤياك) انزلقت السيارة فجأة لتصطدم بحافلة كانت قادمة في الاتجاه المعاكس. قضت أياما في غيبوبة كادت تودي بحياتها،قبل أن تفيق على فاجعة فقدانها أبويها في ذات الحادث. كانت أياما حالكة بصمت بكل ثقلها على حياة الطفلة الصغيرة،التي وجدت نفسها فجأة يتيمة تستثير عطف وشفقة الناس.ونزيلة بيت عمها الذي لم يكن لها سواه. عجيبة أنت أيتها الحياة،وغريبة هي تقلباتك.فبين لقاءوفراق،وفرح وحزن،ورسم ابتسامة سرعان ما تمحوها دمعة،نحن محكوم علينا بأن نعيشك،ونعايشك. -أنت يا زفتة أنت.بتعملي إيه عندك؟بطلي كسل واشتغلي لو عايزة تتعشي زي الناس. صرخت فيها زوجة عمها،قبل أن تغلق باب غرفتها،وتخلو بنفسها لتنعم بمشاهدة مسلسلها وهي ممدة على سريرها. ما أن اطمأنت البنت أنها أصبحت خارج مجال الرمي والقذف بشتى أنواع الأسلحة،حتى تسللت إلى الحمام. أخرجت من تحت عباءتها هاتفا صغيرا،كانت تخفيه بحرص شديد. -ألوووو حياتي …أخبارك إيه .. طمنيني ؟ جاءها صوته الحنون لينتشلها لبضع دقائق من عالمها البائس،ويسافر بها فوق السحاب. -أحمد…وحشتني …وحشتني ( لو كنت خدت على بعادك كنت أقدر اصبر واستنى واسهر على ضي ميعادك لما الزمان يجمع بينا ابات على نجواك واصبح على ذكراك واسرح وفكري معاك لكن غالبني الشوق فى هواك وإن مر يوم من غير رؤياك ما ينحسبش من عمري ) يتبع