يقال بأن اللحظات الجميلة تمر بسرعة.. إنْ كان هذا الكلام صحيحا فلماذا لا نشعر بالسعادة مع تسارع الأحداث من حولنا؟ أم أنّ الأيام لا تعتمد على سعادتنا في مرورها السريع بدفاتر ذكرياتنا؟ دفعني هذا التساؤل إلى القيام بمراجعة سريعة لما نقوم به من أعمال يومية لأكتشف أن معظم تلك الأعمال هي مجرد نسخة طبق الأصل عن بعضها البعض للدرجة التي تجعلنا نقوم بها دون تفكير او تدقيق وكأنها حالة استذكار ذهني لأعمال سابقة. والآن ومع انتشار (الحرامي الذكي) الذي يرافقنا في دورات المياه وتحت البطانية وعلى دريكسون السيارة فلا أمل في بناء ذكريات جديدة او إتقان ما نقوم به رغم بساطته. زمان الواحد يصحو على صوت المؤذن او ساعة الخرّاش، الحين يصحو على رنين الجوال وقبل أن يتحرك من سريره لا بد من مراجعة كل ما كتب في قروبات الواتس آب خلال الليل وحساباته في تويتر وانستغرام.. فيمر الصباح سريعا بين تلك المواقع حتى إنك لو سألت الواحد منّا عمّا أكل على الافطار أو قرأ في صلاة الفجر لما وجدت الإجابة. في السيارة مع الزحمة وعند الإشارة فرصة للرد والمشاركة، وفي هذه اللحظات تنبني عماير وتتغير ملامح الطريق وتسأل نفسك في يوم من الأيام عندما تتاح لك الفرصة لرفع رأسك بعيداً عن شاشة جوالك متى حدث كل ذلك؟ في الشغل فرصة لمواصلة (التواصل) وعلى الغداء ما يهم ايش نوع الأكل او عدد افراد عايلتك اللي قدروا يشاركونك الطاولة بس الأهم عدد الرتويت واللايك على تغريداتك! العصر.. تأخذ غفوة وتفتح عينيك من وقت للثاني تمد يدك لجوالك وتأخذه من الشاحن حتى تتأكد إذا زاد عدد متابعيك بعد التغريدة الأخيرة التي تكلمت فيها عن أهمية العائلة في حياة الإنسان. موعد العشاء.. أخرّوه شوي وإلا تعشوا لحالكم عندنا نقاش مهم في الواتس آب عن دور التربية السليمة في حياة الأبناء، زوجتك تقول: أمك تسأل عليك.. ترد : راح اتصل عليها بعدين.. لحظتها تجيك فكرة.. تدوّر في أرشيف صورك لتختار صورة جانبية لأمك وتضعها في انستغرام وتعلق عليها.. أمي يا أجمل شيء عشته في دنياي! كيف سمحنا لأنفسنا أن نزداد غباء كلما أصبحت هواتفنا أذكى وأن تتقلص ذاكرتنا كلما ازدادت سعة جوالاتنا؟ أن نكون رهينة لهذا المستطيل الصغير الذي اختزلنا فيه حياتنا ليسرق منها كل جميل؟ وكيف تحولت شخصياتنا الحقيقية إلى مجرد بروفايل على صفحة نضع ما نشاء فيه من الأكاذيب؟ في الأخير.. أتمنى أن نتحرر حرفيا من هذا القيد الذي وضعناه في أيدينا، وأن يكون مجرد وسيلة اتصال لا تواصل، وألا نشعر بالخوف من وضعه على الصامت وتركه لساعات بعيداً عنّا فلن يتغير الكون، ولن تتوقف الأرض عن الدوران.