هذا المقال كتب في وقته، يوم ترجل رجل امين يقضي اكثر وقته في اداء رسالته، غير ان الايام حالت بينه وبين جهده المتقن، وهكذا الحال مع الجادين الصادقين لان الظروف ما اكثر ما تحول بين الجادين ولكن كما قال شاعر العراقي الكبير معروف الرصافي رحمه الله في غابر الايام: "ما فاز الا النوم" واللاهثين وراء مصالحهم. ونحن ننتظر الساعة لان الامانة غربت شمسها. وذاك دأب النجح بعد توفيق الله، ان تتحدى نفسك، ولا اقول تتحدى الآخرين، لان الانسان أي انسان، اذا تحدى نفسه فانه سيحقق الشيء الكثير، وأوشك ان اقول انه ينجز.. وانا امام تحقيق أداء الاخ شاكر عبدالعزيز رحمه الله، مع الدكتور احمد بن عبدالله عاشور مدير عام مستشفى الملك فهد بجدة سابقاً، وهو اليوم نائب مدير عام صحة البيئة، ونقرأ عنوانات: كونت امبراطورية طبية في مستشفى الملك فهد، التي يقصر عن ادائها الكثيرون.. فغير مستشفى الولادة والاطفال في اربعة اشهر، ثم قال اختلفت مع الدكتور نزيه نصيف فقدمت استقالتي، حدث خلاف بيني وبين الاستاذ فيصل الحجيلان ولكنه كان كبيرا في التعامل معي، حدث خلاف مع الدكتور اسامة شبكشي الذي تحدثت عنه جدة، الدكتور عدنان البار كان له دور كبير في "تأليب الأحداث" أنا أكبر مخالف ومتجاوز للتعليمات والانظمة، فالدولة تصرف 11% من الميزانية على الخدمات الطبية التي لا يلمسها المواطن، حصلت على مبالغ كبيرة من رجال الاعمال، واوجه الصرف مثبتة في سجلات المستشفى، الاستاذ فيصل الحجيلان قال: أحمد عاشور يخالف من اجل اصلاح المستشفى، تم التحقيق معي مرات عديدة وحفظ لانني اعمل للمصلحة العامة، في اليوم الخامس لتولي الدكتور حمد المانع احلت للعمل كمستشار فاستقلت. هذا التحقيق مثير في اسئلته وفي ردوده.. وقد عرفت الدكتور احمد عاشور ايام كان مديرا عاما لمستشفى الملك فهد، ورأيته مرتين او ثلاثاً وهو يتحرك في مستشفى كبير ضخم، الزحام فيه على اشده، لانه يعالج بالمجان، فالناس يقصدونه من جدة وخارجها، رأيت هذا المستشفى وكأنه خلية نحل، والدكتور عاشور ليس في غرفة مكيفة يتناول الشاي والقهوة وعلى باب مكتبه لمبة حمراء، كلا! ولكني رأيته في ممرات ومكاتب وعيادات الاطباء، هاتفه في يده، ويتابع كل شؤون المستشفى كبيرها وصغيرها، والذي يراه على هذه الحال يشفق عليه ويعجب كيف يطبق ادارة كيان كبير يعالج الآلاف من خلال تنويم وعمليات وعيادات خارجية وميزانية لا تحقق نصف ما يحتاج من انفاق!؟ ** اؤكد في غير احتياط، انني قضيت دقائق ولحظات ماتعة مع حديث الدكتور احمد عاشور، لا لانه مثير، ولكن لان فيه شجاعة المسؤول الذي يشارك في العمل والابداع ليحقق عطاء لا ليتحدث عنه غيره، بل ليفيد مع غيره، هذا العمل هو الذي يستحق ان يذكر فيشكر ويشار اليه ويشاد به، اما العمل البطيء المتخاذل فلا يدفع الى الحديث ولا يستحق الذكر، لانه خسارة لصاحبه.. ان اتخاذ القرار شجاعة وطموح وقدرة وهذا ما نفتقده في العديد من اعمالنا واقوالنا، واقول ما اقل العمل المجدي الناجح، وما اكثر من نسمى عاملين، وصدق الله العظيم القائل: "قل كل يعمل على شاكلته فربكم اعلم بمن هو اهدى سبيلا". يقول الاخ شاكر عبدالعزيز، محاور الدكتور عاشور: هذا المسؤول مثير للجدل، عرفته من سنوات بعيدة تزيد على الخمس والعشرين، في بداية عهده بالعمل الحكومي في مستشفيات وزارة الصحة، واقتربت منه وهو يقدم انجازات في اسوأ مستشفى في جدة، وهو مستشفى الولادة والاطفال، وتابعت تألقه وهو يكوّن شبه امبراطورية طبية، في مستشفى الولادة والاطفال.. ويشير المحاور ان الدكتور عاشور في حديثه معه فجر العديد من القضايا، ومن ذلك استقالته من العمل في الوزارة، نتيجة خلاف مع وكيل الوزارة يومئذ الدكتور نزيه نصيف، لكن وكيل الوزارة عاد الى دعمه، حين راى التحدي الذي سعى اليه الدكتور احمد عاشور، والذي قاد الى ما حقق من انجاز في مستشفى الولادة والاطفال بجدة.. ورأيت ان الاسئلة المثيرة تولد اجابات في مستوى النبش وما يشبه التحدي. حقاً ان مستشفى الولادة والاطفال بجدة، كان شبه خرابة، ذلك انه هيكل خاو، حتى كان هناك قرار بإزالته، وحين جاء اليه الدكتور احمد عاشور، كان هذا الاقدام تحدياً بهذه المغامرة، ومثل هذا الحال، حين يتحول لا شيء الى شيء، يبارك التحدي ويشاد به، ويقدر الجهد الكبير الذي استطاع في – اربعة اشهر – فقط ان ينشئ مركزا بجهد فاعل كيانا ذا قيمة، كان هذا المستشفى من اربعة ادوار، وكان الرابع قبل ان تطاله يد الاصلاح خرابة، وتجول الدكتور غازي القصيبي رحمه الله يوم كان وزيراً للصحة مع فريق من موظفي وزارته، ومعهم صحافيون، والدور الرابع كان مخصصاً للاطفال ولم ينته ترميمه، وكانت حاله اسوأ ادوار المستشفى، الابواب مخلعة ومربوطة بحبل وملصقة بالمسامير، والارضية غير مبلطة وعاجة بالحشرات، وتجول الوزير في ادوار المستشفى الثلاثة مع مرافقيه، ورأوا سبل التجديد الجديد الكامل في اربعة اهلة.. واراد الدكتور عاشور ان يطلع الدكتور غازي وصحبه على الدور الرابع المغلق والخرب، وهو يمثل مفاجأة للحال التي كان عليها، وفجع كما قال الدكتور عاشور، فجع الدكتور القصيبي، وطلب من الصحفيين عدم تصويره، وسأل الوزير مدير المستشفى، فقال: ما هذا؟ فرد عليه: ان هذا المستشفى كان كذلك وعلى هذه الحالة من السوء، والدكتور غازي لم يكن يعرف هذا المستشفى قبل ذلك اليوم.. وسال الوزير وكيل وزارة الصحة الدكتور نزيه نصيف: أين الفلوس التي صرفت على تطوير المستشفى؟ وسأل الدكتور عاشور الوزير: كم يتوقع معاليك صرف على هذا التجديد، فقال: ليس اقل من خمسة عشر مليون ريال، وقال احمد عاشور: ان تكاليف ما شاهدتم لا يزيد عن مليوني ريال. ودهش الوزير ومن سمع هذه الاجابة. ودعم الوزير مدير المستشفى بخمسة ملايين ريال لاكمال كل متطلباته وتطويره. حين تحول الدكتور احمد عاشور الى مستشفى الملك فهد بجدة، استطاع ان ينهض به بميزانيته المحدودة، ثم سعى مديره العام الى من يدعمه، وكانت استجابة المتبرعين حاضرة للاسهام.. وذلك ان المدينة تتوسع ويزداد سكانها وكذلك الملحقات التي حولها والبعيد منها، وكثر الاقبال على المستشفيات الحكومية، وتفاقم الزحام، والظروف لا تواجه الكتل البشرية الساعية الى منافذ العلاج المجاني، لاسيما من شرائح الشعب الكثيرة ضيقة ذات اليد، وشرائح من المقيمين، وتمتد مواعيد العمليات والتطور المقطعي وشح الادوية، حال نراها ونعيشها، ومواجهة عمل كبير كهذا بامكانات محدودة، هذا الضجر والحرج وحتى فقد الاعصاب، غير ان الذي يغامر بقبول التحدي يجد بسعيه وعلاقاته من يعينه ويدعمه ويسهل الخير عند ذويه، وهذا ما اعان هذا الرجل المغامر في ميدان كيان مسؤوليات غير ان ارادته كانت مهيأة للتحدي بلا حدود، والله سبحانه يعين الذي يتصدى ليس ليكون، وانما ليعمل وبتفاني بدون خوف ولا تردد، لانه من نمط خلق ليكون كذلك. يقول الدكتور احمد عاشور، انا اكبر مخالف ومتجاوز للتعليمات والانظمة ولعل احدنا يقول: اذا كانت هذه المخالفة والتحديات تؤدي الى النفع والمصلحة فلا ضير ولا حرج ولا جناح، وادت هذه المخالفات الى استدعائه والتحقيق معه اكثر من مرة ولكنه في كل هذه المرات، كان يحفظ التحقيق، لان نتائج ذلك العمل كان للنفع وليس لشيء آخر، والمستشفى الذي كان يديره هذا الاداري الطموح، واحد من اكثر المستشفيات المتخصصة في جدة.. والذي يجتهد ويعمل للبناء ويحقق دعماً متواصلاً من القطاع الخاص عبر علاقات حميمية، فان هذا النجح يحسب لصاحبه لانه انجاز، ولم يقف مكتوف الايدي! ويقول ان الامكانات المتاحة لا تحقق الطموح ولا انجاز وما هو مراد، غير ان المرء الذي يقف على مرفق كبير ولاسيما في مجال العلاج والطب. ويعمل ما استطاع الى ذلك سبيلا ليسد النقص ويؤدي المراد منه او قريبا منه، فهذا جهد وطموح المجتهد العامل، ولو اتيح لنا في اي جانب يقدم خدمات للمواطنين، وان المشرفين عليها لا يريحون ولا يستريحون، لان في ذمتهم امانة وعليهم ان يوفوا اداءها، فان الحال سوف تمضي الى الافضل والاحسن، والله لا يضيع اجر من احسن عملاً. ** وعبر سؤال عن وضع وزارة الصحة، قال الدكتور احمد عاشور: الدولة تنفق جزءاً كبيراً من ميزانياتها تصل الى 11% تقريباً على الخدمات الطبية في المملكة، ومع ذلك لا تقابل هذه المبالغ الكبيرة خدمات صحية يأملها المواطن، ومعنى هذا ان هناك قصوراً كبيراً! وذكر ان هذا يعني وجود خلل، وان الجانب الوقائي شبه مفقود. والوزارة تركز على انشاء مستشفيات ومراكز علاج الفشل الكلوي، فلماذا لا تركز على الدراسات التي تبحث عن اسباب الاصابة بالفشل الكلوي وتعالج؟، ولماذا ترك الامور حتى تتفاقم ويمرض الناس ثم يعالجون في المستشفيات، وانه لابد من التركيز على الجانب الوقائي، بالاضافة الى قصور كبير في الجانب التنظيمي للاجراءات، وعدم تنسيق وتكامل بين ادارات الخدمات الطبية المختلفة في المملكة، كما يلاحظ تردي نوعية الخدمات الطبية المقدمة في مواقع الصحة، مما ادى الى ازدهار عامل المستشفيات الخاصة. ** ومن باب الانصاف، فان الدكتور عاشور ينصف وزارة الصحة حين تقاس على الوزارات والمصالح الاخرى التي يؤدي قصور خدماتها الى مشاكل تؤثر على صحة الانسان وتزيد من اعباء وزارة الصحة، مثل قصور انظمة المرور في حوادث الطرق والتي تؤدي الى اشغال حوالى 25% من خدمات واسرة الوزارة.. ولو قامت الادارات المعنية باداء عملها، لقلت نسبة الحوادث التي تصب في المستشفيات فحوادث الطرق يتحمل نتائجها مستشفيات وزارة الصحة، وكذلك قصور خدمات البلدية البيئية، الذي يؤدي الى انتشار حمى الضنك والملاريا، وذلك نتيجة قصور النظافة وانعدام المجاري، وهذا يشكل عبئاً كبيراً على وزارة الصحة. ** ويحمل الدكتور عاشور وزارة المياه والصرف الصحي مسؤولية قصور وتجاوزات فاقت جميع المعايير والاحتمالات، وقاسى منها الجميع، منها هدر في شبكة المياه الذي يؤدي الى ضياع ثروة وطنية كبيرة تقدر بملايين الريالات سنويا، وغياب عدالة توزيع المياه بين شرائح المجتمع والاحياء السكانية، مما ادى الى اثارة الغبن، ويزيد الطين بلة قضايا الصرف الصحي ومحطات المعالجة والتخلص من النفايات بطريقة خاطئة، وصب افرازات الصرف الصحي في البحر وفي شبكات الامطار، ادى الى تلوث بيئي خطير في الشواطئ ومشاكل صحية اثرت على سلامة الانسان وغذائه.. هذه وقفات مع حديث رجل تحمل مسؤوليات واداها بجهد كبير، لانه اراد ان يحقق طموحا في عمله لوطنه، كأمانة وواجب، وقد وفق بفضل الله، ثم بتضحياته المتواصلة، وتحول من مسؤولية علاجية الى مسؤولية – حماية البيئة – ولعلها اكثرهما وضعاً وعناء، غير ان الانسان الناجح بتوفيق الله: يجد نفسه في اي موقع يحل فيه فيؤدي امانته بتفوق واخلاص وما احرى بلادنا ان تدعم في اطاراتها الطامحين والجهود المخلصة التي تدرك فداحة التفريط في الامانة الخطيرة الاداء التي خافت من اعبائها السماوات والارض والجبال واشفقنا منها فأبين ان يحملنها وحملها الانسان انه كان ظلوماً جهولاً".